دعني أخطئ!!… فنعم أنا أتغير

راشد الجنيبي

لا تفعلها، ركز في المرة القادمة، لو قلت كذا أو فعلت كذا، ااه منك، لا تغلط، لا تفلت، لا تذنب، لا تفسد، لا تهفو، لا تجرم، لا تخطئ!!! كلها كلمات وتوجيهات تكون قضبانا يساج بها سجنا ليكون الإنسي حبيسا فيها، حبيس الكلمة، حبيس الخوف، حبيس التعنت خوفا من الخطأ، حبيس كلام الناس.. يطمع الإنسان بالكمال المطلق، ويفر بطبيعة الحال خوفا من الخطأ، لكن كل ابن آدم خطاء.

من منظور الإيمان الإنسان هـو طين مع نفخة ملائكية ضعيف خطاء، وللرب نردد دائما اهدنا الصراط المستقيم، لأن الخطأ من بديهيات الفطرة، الخطأ معلم وموجه، والتغيير المنير لا يحدث إلا بعد أخطاء، خمس محاولات تلك التي نقوم بها لربنا في كل يوم، ساميات في خمس صلوات نجدد الإيمان لربنا بعد الخطأ بعد أي إخفاق، بعد صقلنا بالإخفاقات في الدنيا نعود للإيمانيات بانسياب وشغف بعد الخطأ، ومن جوهر الإنسان يخلق التغيير الذي قد يراه البعض خطأ، لكنه يحدث هربا من التبعية والتقليد انتقالا إلى الاستقلال والتجدد،

تجد الأب يغلظ من حزمه على ولده الطفل لمجرد أن يكون مؤدبا ومتصلبا جامدا ساكنا أمام الحضور في مجلس الرجال، ليكون كالجندي المطيع الذي يهاب التذمر من الانصياع على أوامر قائده، وتجد الأم تهيب ابنتها بوعيد العقوبة إن لم تفلح بامتياز ونجاح باهر منقطع النظير في دراستها، والأخ الأكبر يموت ويحيا أهون له من أن يخطئ أخوه الصغير أو يضعف ويبكي أمام أقرانه، والمعلم يشد والمسؤول يندد والقريب يبكيك فقط إذا أخطأت، وإن تعمقنا وانقلب الأمر سلبا. حتى التجديد والتغيير والتطوير قد يكون محرما في العيون الضيقة الخائفة من الخطأ الطامعة بالكمال المستحيل، ليكون الفرد نسخة من أسلافه تابعا سير المحاربين القدامى.

بحق الرحمة!! كفى تعقيدا للنفوس لمجرد السعي للكمال، كفى تقييدا للحماس والانطلاق، كفى خنق الطفولة تكلفا وزرعا للرسميات من صغرهم، نعم الخطأ نكرة، لكن الكمال مستحيل، نعم نرجو أن نتقن فنون أنفسنا قبل أن نتقن أعمالنا لكن الخطأ ببراءة النية يحدث، نعم يحب المرء ويحلم بالنجاح المطلق لكن يأبى أن يكون مقيدا بحبال الخوف من الخطأ، وهنا لا أقصد خطأ المفسدة، إنما خطأ المحاولة، خاصة في الطاقات الشابة المفعمة المندفعة بحماس نحو التقدم والعلو والإنجاز الجديد والفكرة المتنوعة غير العادة، بعض أولياء الأمور كثيرا ما يحطمون هذه الطاقات بعدا من الفشل وخوفا من الخطأ أو التغيير، نعم يخطئ الفتى ويتعلم ويغير ويتغير، الخطأ معلم وفي علم الإدارة يقال إن لم تخطئ فإنك لم تتخذ قرارا بعد.

للأصوات الصارخه في أنفاسك: لا تخطئ لا تغلط!! نعم دعني أخطئ وأفقه بعده الصواب، نعم أعثر أعثر وأعثر وبعدها أنهض سريعا، نعم بعد الركود أسموا وأتغير فكل شيء حولي ليس بساكن، السماء تبدل هواءها، الأنهار تغير مياهها، الأرض تجدد تربتها، فنعم أخطئ أهفو وأفلت سهوا وضعفا، لكن بعدها أتغير أكثر صقلا وقوة، دعني بحرية أخطئ فأعرف زلاتي وهفواتي وبعدها أقيد حماسي واندفاعي بحنكة، نعم دعني أخطئ فأراني من كل جانب فأفقه نفسي، نعم دعني فتجاربي في زمن الهزائم "الأخطاء" ترسمني وتنحتني وتقويني، نعم دعني أخطئ أتعلم وبعدها أتغير للأفضل، عوضا من التقييد الحازم خوفا من الخطأ الذي يجعل المرء مهزوزا، فبعد الخطأ والتجربة يُخلق العظام!!!

Rashidhj1139@hotmail.com

تعليق عبر الفيس بوك