للطبيعة أحاكمها..!

محمد المسروري

الطبيعة لها أحكامها وطرائقها، مهما حاول الإنسان مُعاندتها بالتعدي على مكوناتها تارة ومفرداتها تارة أخرى. الشجرة ثابتة جذورها في الأرض، يأتي الإنسان لقطف فروعها ظنًّا منه -جهالة- أنه سيقضي عليها ليحرث الأرض في مكانها وحولها، وما إن يرمي بذور حلم في حال يقظة، وتوسم تمكنه من غرسها وتسميدها وريها دون سواها ليكون العائد ثمارا خالصة له وحده، حتى إنه عاند فكرة الشاعر العربي الشهير بفلسفة الأدب المعاصر، أبو ماضي والتينة الحمقاء، فإذا بشجرة الغاف تخرج من موطنها الأصلي في عمق الحقل وتسابق الرياح إلى الضوء المباح، تمدها جذور غفل الإنسان عنها بقطف الأطراف (لا حد درى ولا حد شاف) في حالة من يشيد المباني على شواطئ البحر ليستفيد من منظره البديع وما أودعه الله -عزَّ وجلَّ- فيه من وسائل المتعة والجمال واستنشاق نسائم عليلة تداعب أمواجه الهادئة، وأسماك تتقافز فرحا في عمقه دون الشواطئ، تتحدى برشاقتها وجمال براقع جبلت عليها تحيط أعين لا تغمض، ومواخر ذاهبة يمنة ويسرة في مساءات ذهبية على سطحه المستوي، وابتسامات فجر تعود عندها تلكم المواخر على اختلاف أحجامها (وفكرة تكونها، وجمال انسيابها) تغدو بطانا وقد ذهبت قبل ذلك خماصا.

ثم إنَّه لم يكتفِ بذلك كله، بل ذهب إلى بعيد في التحدي مع البحر والزمان، فأقام بحكمة معهودة عنده طريقا إلى البحر يسهل عليه عناء المسافة إلى مرفع قارب أحضره للتو مكتمل المواصفات والإمكانات ووسائل المعيشة والترفيه، دون نقصان من أدوات الصيد وحيله ونظم الكشف عن الأبعاد النظرية، بحثا عن طريدة من صيد ذاهب أو آتٍ.

تكفَّل البحر بإرسال موجة واحدة لم تبلغ قوة أمواج (تسونامي التي دمَّرت مدينة بكل ما نضحت به حضارة معاصرة وما أتاحت من وسائل ترفيه وترف وتطاول في العمران) سقت الشاطئ كعادتها، ولكنها عادت بذلك البنيان والأحلام إلى البحر لتعيش الأسماك والمخلوقات البحرية الأخرى على مكوناته وما كان به من فرش مصفوفة ومنضودة، وذخائر وأجساد استمتعت في الأمس بلذائذ نتاج البحر ومصائده ومخادع الصيد ووسائله وحليه.

للطبيعة أحكام يصعب على الإنسان تحدي قواها القاهرة مهما أوتي من قوة عقل أو مال طارئ، سيغادر غدا ليس من كف مُدَّعي الملك له؛ إذ المالك الحقيقي هو الله -عزَّ وجلَّ- دون سواه، ولكنه المبتلى بذاك المال، لينظر الله ماذا يفعل به وكيف ينفقه، ألا تكفي قصة قارون موعظة لمن يتعظ؟

عندما انهارت السدود والفواصل بين أبناء المجتمع الواحد بالتواصل والتصاهر وانعتاق الكل في الواحد، والانهمار في ذات كانت وما برحت ترتشف نفسا واحدا، انتفض معاندو الطبيعة فأقاموا الحواجز والأسيجة بدلا من مد الجسور، ولكن كان للطبيعة رأي جُبلت عليه، خلقا وتخلقا، أزاحت كل الحواجز والسدود بقوة عنفوانها الذي لا يرد بحال، مذكرة بقوتها القاهرة أن الاثنين في الأصل واحد مهما غالب المغالبون، وحسبوا حسابات أثبتت بعد حين ليس عدم جدواها فحسب، بل وفشلها في كل تفاصيلها؛ لأن الأساس أُقِيْمَ على رمال متحركة أو ربما، ولأننا نمد الجسور فلا تمدوا الأسيجة إذ لا عسير على الطبيعة إزالة الأشواك والأسلاك وغير ذلك، نعم هي كفيلة بإزالتها لتبقى الأرض مُمتدة تحت الأقدام وبنظر الأعين لمن أوتي البصيرة.

تعليق عبر الفيس بوك