"المريخ والزهرة.. معًا إلى الأبد"

سُليمة المشرفيَّة

وردتْ في سُنَّة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نصوصٌ كثيرة تحدَّثت عن المرأة؛ منها ما كان يحمل نظرة احترام وتقدير لها كما هو شأن الإسلام الذي كرمها وأعلى شأنها، ومنها ما كان يُشتم منه رائحة انتقاص لها؛ مما يجعل النصوص متعارضة للنظرة الأولى لها.

ولا شك أنَّه لا يجوز لنا بحال -كمسلمين- تصنيف أحاديث رسولنا -صلى الله عليه وسلم- الصحيح منها والثابت؛ فنأخذ ببعض الكتاب ونكفر ببعض، فهذا لا يليق بمسلم رضي بالله ربا وبمحمد نبيا ورسولا.

وفي العصور المتأخرة، وقع معظم المسلمون ضحية التطرف بين إفراط وتفريط؛ فكانت تلك النصوص تدور بين متسرع في الحكم عليها حاكم على ضعفها من النظرة الأولى، وأقصد هنا "حكم عوام المسلمين أو أنصاف المتعلمين" كما كانت في الطرف الآخر تعتبر ذريعة لامتهان المرأة وتجريدها من إنسانيتها واتهامها بأبشع التهم والنقائص.. لفظة "ويكفرن العشير" كانت أحد النصوص التي دار حولها جدل واسع بين هاذين الطرفين، وربما استغلها غير المسلمين للتقليل من شأن الإسلام واتهامه بما يمليه عليه غلهم وحسدهم لهذا الدين العظيم.

من خلال قراءتي لكتاب "المريخ والزهرة.. معا إلى الأبد"، اتضح لي وجه من أوجه تفسير هذا الحديث على فرض صحته، ولا أزعم أني أحطت به علما وتأويلا، ولكنها وجهة نظر أحببت مشاركتها للقراء الكرام.

أوْضَح الكاتب جون جراى في كتابه المذكور شيئا من طبيعة المرأة العاطفية التي تتحدث بلغة أنثوية باحثة عن منطقة أمان في قلب شريك حياتها (الرجل) فتبوح له بما يعتلج في صدرها من عواطف فياضة ومشاعر لا تنتهي، ولكنه دائما ما يُخطئ فهمها فيعتقد أنها بتلك اللغة تلومه وتتهمه بالتقصير، ولا تعترف له بما فعل لها من سابق فضل، ولا تستحسن منه ما مضى -وهذا ما تتطلع إليه طبيعته الذكورية- وهذا ما عبَّر عنه الحديث بلفظة "ويكفرن العشير".

وهي في الواقع لا تقصد ذلك، ولا تتعمَّده من قريب ولا بعيد، بل إنها بعكس ذلك تماما.. يقول جون جراى موضحا سببا من أسباب سوء الفهم الذي يحدث بين الرجل والمرأة بسبب اختلاف طبائعهما: "عندما يعبر الرجل عن شعور ينتابه فإن ذلك على الأرجح يشير إلى حقيقة يعنيها وشيء يؤمن بصحته، لكن ليس لديه دليل موضوعي يدعمه، ولكن هذا الأمر يختلف بالنسبة للمرأة حين تبوح بمشاعرها؛ لأنَّ المشاعر بالنسبة للنساء قلما تعبر عن الأحداث المحيطة بهن، لكنها تعبر عن أحاسيسهن الخاصة تجاه هذه الأحداث".

ويقول مشيرا إلى التصرف الصحيح المرغوب من الرجل في حالة تعبير المرأة عن مشاعرها:

"عندما لا يتطلع الرجل إلى إحدى صفاته الذكورية وهي الدقة التامة فيما تبديه المرأة من مشاعر أثناء انفعالها عاطفيا؛ فهو بذلك يسمح لها بأن تصل إلى الموضوعية بكثير من الحب والثقة والقبول والاستحسان".

وقد استرسل الكاتب في الحديث عن مهارات جديدة يجب أن يتحلى بها كلا الطرفين لتفهُّم واحتواء بعضهما البعض.

... إنَّ هذا الحديث وغيره أيضا -على فرض صحتها- والتي نشتم منها انتقاصا من شأن المرأة، ما هي إلا إشارات مهمة لتوضيح الاختلاف الفطري بين الرجل والمرأة، وتحمل في الوقت ذاته حضا وحثا على السعي لتقبل بعضهما وتفهم هذا الاختلاف، وعدم فهمنا لها لا يعني ضعفها كما يحبب لنا هوانا لنتخلص من عبء تفسيرها وتحليلها وتأملها، كما لا يعني بحال أنها تنتقص نصف المجتمع، وتحط من قدره وهي الشريعة التي احترمت المرأة وقدرتها وجعلتها شقيقة الرجل مساوية له في الحقوق والواجبات.

slima69844@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك