أدم - العمانية
تزخر ولاية أدم بمحافظة الداخلية بمقومات سياحية طبيعية تثير اهتمام السياح والزوار من داخل وخارج السلطنة، مما جعلها من الوجهات السياحية المميزة بالسلطنة نظرا لثرائها بالكنوز والمعالم الأثرية والطبيعية التي حباها الله بها، فبالإضافة إلى المعالم الأثرية كالمساجد والحارات والقلاع والحصون والأبراج تشكل المناطق الصحراوية المفتوحة معظم مساحات الولاية حيث روعة التزلج على الكثبان الرملية والاستمتاع بكرم الضيافة البدوي والتعرف على عاداتهم وتقاليدهم.
وتبرز الطبيعة البكر المتمثلة في الأودية والشعاب مثل وادي حلفين والوادي الغربي وعين نامه وغيرها من الأماكن الرائعة للتخييم في الإجازات كما أنّ الولاية تحتوي على مجموعة من المواقع الجيولوجية التي تعتبر مقصدًا للباحثين والدارسين لعلم الجيولوجيا من داخل وخارج السلطنة، من أهمها التكوينات الملحية الواقعة في جنوب الولاية والمتمثلة في "قارة الملح وقارة الكبريت" وهي عبارة عن جبال ملحية في باطن الأرض وصلت إلى السطح بسبب تفاوت كثافة الملح مع الصخور المحيطة بها.
والملح في هذه الجبال يكوّن طبقة في باطن الأرض ويطلق عليها "طبقة العراء" نسبة إلى تعري الأرض وجفاف مياه البحر وهذا الملح هو من أقدم الأملاح الموجودة على سطح الأرض وعمره يصل إلى قرابة 540 مليون سنة .
وتعتبر "قارتا الملح والكبريت" من أهم المواقع حيث كان الأهالي يقطعون هذه الجبال الملحية ويبيعونها في الأسواق القريبة ويسمى هذا الملح (ملح عريشي) وهما من المواقع المفضلة للتخييم خاصة في فصل الشتاء لقضاء أوقاتٍ ممتعة في البحث عن قطع من ملح العريشي الموجود في هذا المكان، وتبعد قارة الملح من مركز الولاية حوالي 100 كم أما قارة الكبريت فتبعد حوالي 120 كم .
و"قارة الكبريت" هي عبارة عن منخفض بيضاوي الشكل وسط الصحراء وجاءت هذه التسمية بسبب وجود رقع وأوردة من الكبريت شديدة الاصفرار، وهناك طبقة ملحية تغطي معظم المنخفض، حيث يستخرج الملح والكبريت من هذه القارة، ويعد الملح من السلع الثمينة في الأوقات السابقة ، حيث كان يستخدم كملح للطعام، كما كان يستخدم لتسمين المواشي وعلاج بعض الأمراض الجلدية للإنسان والحيوان أما الكبريت فيستخدم في الأغراض العسكرية المتمثلة في صناعة البارود وعلاج بعض الأمراض الجلدية.
يقول سعود بن سالم الدرعي لوكالة الأنباء العمانية "عملت في جلب الملح من قارتي الملح والكبريت قرابة 20 سنة حيث نذهب من مركز الولاية في قافلة جمال وعددنا خمسة إلى ستة أشخاص شتاء وصيفا، وفي بعض الأحيان أذهب لوحدي وتستغرق الرحلة ذهاباً وعودة قرابة 14 يوما، ونبدأ العمل من بعد صلاة الفجر مباشرة حتى قبيل الظهر ثم نعود إلى العمل بعد تناول وجبة الغداء حتى قبيل المغرب، ونستخدم الفأس والحصى الكبيرة لتقطيع الملح وننزل إلى الأسفل قرابة مترين حتى نصل إلى الماء المالح ويتراوح طول قالب الملح ما بين متر إلى متر ونصف ونستمر في هذا العمل المتواصل لمدة ثلاثة إلى أربعة أيام وينجز الشخص الواحد في اليوم قرابة أربعة إلى خمسة قوالب".
وأضاف الدرعي أنّ هذا العمل لا يخلو من التحديات والصعوبات، أهمها صعوبة الوصول إلى الملح وتقطيعه، وندرة الماء الصالح للشرب في هذه المنطقة، بالإضافة إلى الحر الشديد في فصل الصيف والبرد القارس في فصل الشتاء، وعدم وجود مأوى للمبيت فكنا نجلس تحت ظل أشجار السمر نهارًا ونبيت تحتها ليلاً ونشرب الماء الذي نجلبه في القرب المصنوعة من جلود الحيوان ونأكل التمر وبعض لحوم الحيوانات التي نتمكن من اصطيادها مثل الأرانب.
وأشار سعود الدرعي إلى أنّه في أحيان كثيرة يحدث انهيار لصوامع الملح فيتعرضون لعدة إصابات مُختلفة مما يضطرهم للبقاء مدة أطول لمعالجة المصابين بالأعشاب المتوفرة وفي أحيان أخرى يصابون بأمراض مختلفة تؤدي بهم إلى الهلاك وبعد الانتهاء من هذا العمل الشاق نحمل صوامع الملح على ظهور الجمال ليتم بيعها في أسواق نزوى وبهلا والحمراء وإزكي وتتم المناداة عليها بعد صلاة الظهر ويتراوح سعر القطعة الواحدة ما بين خمسة إلى ستة قروش (عملة معدنية تستخدم في ذلك الوقت) نعود بعدها محملين بالأرز والتمر والقهوة والزيت وبعض الملابس وهذا الملح هو الذي كان يعتمد عليه سكان السلطنة فلا يوجد ملح مصنّع أو مستورد من خارج الدولة في ذلك الوقت.