مجلس التعاون الخليجي.. إلى أين؟!

علي بن مسعود المعشني

كُنَّا فيما مَضَى من الزَّمن نتساءل كمواطنين خليجيين عن منجزات مجلس التعاون الخليجي، وفيما حققه انسجامًا مع ميثاقه الذي ينصُّ على التعاون بين الأقطار الستة، وصولًا للتكامل فالاتحاد. ولا بأس من التذكير بديباجة الميثاق وأهم بنوده الشارحة لأهدافه من باب إنعاش الذاكرة المنهكة:

"إدراكا منها لما يربط بينها من علاقات خاصة وسمات مشتركة وأنظمة متشابهة أساسها العقيدة الاسلامية، وإيمانا بالمصير المشترك ووحدة الهدف التي تجمع بين شعوبها، ورغبة في تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بينها في جميع الميادين، واقتناعا بأن التنسيق والتعاون والتكامل فيما بينها أنما يخدم الأهداف السامية للأمة العربية. واستكمالا لما بدأته من جهود في مختلف المجالات الحيوية التي تهم شعوبها وتحقق طموحاتها نحو مستقبل أفضل وصولا إلى وحدة دولها، وتمشيا مع ميثاق جامعة الدول العربية الداعي إلى تحقيق تقارب أوثق وروابط أقوى وتوجيها لجهودها إلى ما فيه دعم وخدمة القضايا العربية والإسلامية، وافقت فيما بينها على ما يلي:

- المادة الأولى: إنشاء المجلس

ينشأ بمقتضى هذا النظام مجلس يُسمَّى مجلس التعاون لدول الخليج العربية، ويشار إليه فيما بعد بمجلس التعاون.

- المادة الثانية: المقر

يكون مقر مجلس التعاون بمدينة الرياض بالمملكة العربية السعودية.

- المادة الثالثة: اجتماعات مجلس التعاون

يعقد المجلس اجتماعاته بدولة المقر، وله أن يجتمع في أي من الدول الأعضاء.

- المادة الرابعة: الأهداف

وتتمثل أهداف مجلس التعاون الأساسية فيما يلي:

تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بين الدول الأعضاء في جميع الميادين وصولا إلى وحدتها، وتعميق وتوثيق الروابط والصلات وأوجه التعاون القائمة بين شعوبها في مختلف المجالات، ووضع أنظمة متماثلة في مختلف الميادين بما في ذلك الشؤون الآتية:

أ- الشؤون الاقتصادية والمالية.

ب- الشؤون التجارية والجمارك والمواصلات.

ج- الشؤون التعليمية والثقافية.

د- الشؤون الاجتماعية والصحية.

هـ- الشؤون الإعلامية والسياحية.

و- الشؤون التشريعية والإدارية.

ودفع عجلة التقدم العلمي والتقني في مجالات الصناعة والتعدين والزراعة والثروات المائية والحيوانية وإنشاء مراكز بحوث علمية وإقامة مشاريع مشتركة وتشجيع تعاون القطاع الخاص بما يعود بالخير على شعوبها". (انتهى)

كنا وفيما مضى من الزمن نعتقد بيقينة أنَّ المجلس قام بإرادة وطنية خالصة لوجه منطقة الخليج وشعوبها لمواجهة المستجدات الإقليمية والدولية كالجسد الواحد وتوظيف مقدرات الأوطان خير توظيف، وقبل كل ذلك خلق مشاعر وشروط المواطنة الخليجية الواحدة بداخل كيانات سياسية تتشابه تاريخيًا وواقعًا إلى حد التطابق في كثير من القواسم والصفات والطموح، وقبل كل ذلك وحدة الجغرافيا والثوابت والمصير المشترك.

رُحِّلت أحلام شعوب المنطقة عاما بعد عام، وتعثر المجلس وتقاعس عن تطبيق أبسط القرارات وتنفيذها، وسيطرت عليه مقولة: "كثرة الجدل وقلة العمل" بامتياز.

واليوم... وبعد مضي 35 عامًا على عُمر المجلس، لم يعد المواطن الخليجي يتحدث عما كان يحلم به في العقود السابقة عن منجزات مرتقبة وتكامل مأمول، بل أصبح هاجسه عن مستقبل مجلس التعاون ككيانات وشعوب، في ظل لعبة الأمم ونفوذ الكبار وحتمية مصالحهم، خاصة بعد أن أقحم البعض نفسه في صراعات إقليمية ودولية لا تُبقي ولا تذر، ووضع نفسه في موقع يكون أو لا يكون.

ثم أتت أزمة النفط والهبوط الحاد لأسعاره لتعيدنا إلى هاجس المربع التنموي الأول، وتنشر الإحباط في أوساط الشعوب عن مصير التنمية وسنوات الرخاء والبذخ، في ظل اقتصادات ريعية مدمنة.

لا شكَّ أنَّنا ننظر إلى جيل الآباء من الحكام المؤسسين لأقطار مجلس التعاون بالكثير من الفقد والاحترام اليوم، ونشتاق كثيرًا لأبويتهم وبساطة تفكيرهم ونقاء سريرتهم وفطرتهم السليمة في معالجة الأزمات ومواجهة الأحداث، وقبل ذلك النأي بأنفسهم عن الصراعات الكبرى أو الخوض في الأزمات التي تفوق قدراتهم ومكانة كياناتهم؛ لهذا حافظوا على الكثير من المقدرات الوطنية وعلى الأكثر من التقدير والاحترام من قبل شعوبهم والآخر كذلك.

اليوم.. مجلس التعاون في وضع سريري مرضي لا يُؤمل شفاؤه؛ فهو كيان سياسي بحكم الميت إكلينيكيًّا، وينتظر فقط نزع الأجهزة عنه ليفارق الحياة، فكل الأسباب الموضوعية لقيامه -من قبل الآخر- قد زالت أو في طريقها للزوال التدريجي، وما كان بالأمس ممكنًا -بإرادة وطنية- أصبح في حكم المستحيل اليوم إزاء التطورات المتسارعة في المنطقة والعالم، بل وحتى مشاعر ونفسيات مواطني مجلس التعاون قد شابها الكثير من اليأس والإحباط، وفقدت الأمل في المستقبل، وأصبحت تعيش هاجس يومها فقط، بعد كل هذه الأحداث والمفاصل التاريخية الحادة التي مرت بها المنطقة ومازالت، والتي أفقدتها كل أسباب المناعة والطمأنينة والاستقرار.

----------------------------

قبل اللقاء: "لو كان مجلس التعاون يصدر ويطبق في كل عام قرارًا واحدًا فقط، لكان لدينا اليوم 35 قرارًا مصيريًا ننعم بها كشعوب وأوطان".. وبالشكر تدوم النعم!

Ali95312606@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك