صندوق الولايات..!

سيف المعمري

saif5900@gmail.com

المسؤولية الاجتماعية في أبسط تعريفاتها هي مدى التزام الفرد أو المؤسسة بالواجب تجاه المجتمع والمشاركة في تقديم مبادرات ذات قيمة معنوية أو مادية أو كلاهما معا، وقد عرفتها مؤسسة العمل الدولية بأنها "المبادرات الطوعية، التي تقوم بها المؤسسات، علاوة على ما عليها من التزامات قانونية"، وعرفها البنك الدولي بأنّها" التزام أصحاب النشاطات الاقتصادية، بالمساهمة في التنمية المستدامة، من خلال العمل مع المجتمع المحلي، لتحسين مستوى المعيشة بأسلوب يخدم الاقتصاد والتنمية في آن واحد، وعرفها الاتفاق العالمي للأمم المتحدة بأنّها "ربط اتخاذ القرارات في مؤسسات الأعمال بالقيم الأخلاقية، وبالامتثال للاشتراطات القانونية، وباحترام الأشخاص، والمجتمعات المحلية، والبيئة).

ومن خلال التعريفات يمكن القول بأن مفهوم المسؤولية الاجتماعية يتلخص في عدم اكتفاء مؤسسات القطاع الخاص بالسعي لتحقيق الربح فقط، بل السعي أيضا لتحقيق مصلحة المجتمع.

ورغم الدعم والتسهيلات والحوافز التي منحتها حكومة السلطنة لمؤسسات القطاع الخاص خلال العقود الأربعة الماضية والتي تضاعفت خلال العقدين الأخيرين من عمر النهضة المباركة، ورغم مبادرات بعض المؤسسات لخدمة المجتمع تحقيقا لمفهوم المسؤولية الاجتماعية؛ إلا أنّها في كثير من الأحيان لا تزال دون مستوى ما منح لها من تسهيلات وامتيازات، والكثير من تلك المؤسسات تعد المبادرات التي تقدمها خجولة جدًا وغير مؤثرة مجتمعيًا، بل إنّ بعض المؤسسات تعد تشغيل العمالة الوطنية ضمن مبادراتها للمسؤولية الاجتماعية - وإن سلمنا أنها كذلك- لكنها لا تعفي المؤسسة من تقديم خدمات يلمسها المجتمع ككل، وتسهم في تعزيز مشاريع وبرامج الحكومة في تهيئة مناخ العيش الكريم والرفاهية للمواطنين.

لقد آن الآوان للقطاع الخاص أن يقوم بدور أكبر في دعم الاقتصاد الوطني العُماني وتنمية المجتمع من خلال تقديم مبادرات نوعيّة، حيث تتنشر مؤسسات القطاع الخاص بجميع محافظات وولايات السلطنة وبالتالي من الأهميّة أن تتعاضد الجهود وتتكامل في خدمة المجتمع، وأن يتم تفعيل المسؤولية المجتمعية لمؤسسات القطاع الخاص بشكل أكبر وبآلية عمل منظمة بحيث تكون مساهمات القطاع الخاص لخدمة المجتمع أكثر ملامسة لاحتياجاته.

ومن أجل تنظيم مبادرات المسؤولية المجتمعية للقطاع الخاص أصبح من الأهمية أن تتبنى المجالس البلدية بجميع محافظات السلطنة تنظيم تلك المبادرات من خلال إنشاء صندوق الولايات؛ على أن يتبع للمجلس البلدي بكل محافظة ويتم تمويل هذا الصندوق من قبل مؤسسات القطاع الخاص المنتشرة بولايات كل محافظة، وتساهم فيه المؤسسات بآلية واضحة تتوافق مع التشريعات والإجراءات المتبعة ببنود المسؤولية الاجتماعية بكل مؤسسة؛ مع الإشارة لضرورة تفهم تلك المؤسسات لمضاعفة جهودها لخدمة المجتمع خاصة في ظل الأوضاع الراهنة للاقتصاد العُماني، وتماشيا مع التحديات التي تواجهه خلال المرحلة المقبلة مع الانخفاض الحاد لأسعار النفط.

ويتلخّص دور صندوق الولايات في تنفيذ المشاريع البلدية والترفيهية والتجميلية والمشاريع ذات المنفعة العامة كدورات المياه ومظلات الانتظار والتشجير وغيرها في كل ولاية من ولايات المحافظة.

ولتحقيق المصلحة المجتمعية يجب أن تتفهم جميع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة بل وحتى جميع المنشآت التجارية في ولايات المحافظة أهداف الصندوق، حيث يمكن للشركات والبنوك وشركات التأمين والمنشآت الفندقية والمراكز التجارية والمحلات التجارية والورش أن تودع في الصندوق حصتها من بند المسؤولية الاجتماعيّة، فمثلا لو وجد في كل محافظة 10 من فروع البنوك وقام كل فرع بإيداع مبلغ 5000 ريال عُماني في كل شهر، وقامت كل شركة بإيداع مبلغ 300 ريال في كل شهر، وشركات التأمين والمنشآت الفندقية والمراكز التجارية كل واحدة منهن بمبلغ 200 ريال كل شهر والمحلات التجارية والورش بمبلغ ريالين لكل محل أو ورشة في كل شهر لأصبح دخل الصندوق في كل محافظة في كل شهر لا يقل عن 500 ألف ريال عُماني، واستطاع من خلال هذا المبلغ تنفيذ مشاريع مجتمعية متميزة.

ومن خلال إنشاء صندوق الولايات يستطيع المجلس البلدي أن يقوم بدوره في دراسة وتنفيذ المشاريع وتقديم الخدمات ومضاعفة جهوده لخدمة المجتمع، كما يستطيع المجلس البلدي أن يساند الحكومة في خططها وبرامجها التنموية بل، ويخفف الكثير من الأعباء المالية على الميزانية العامة للدولة وتستطيع من خلالها الحكومة توجيه الأموال التي تصرفها على المشاريع البلدية إلى مشاريع ذات قيمة مضافة للاقتصاد الوطني العُماني من خلال تطوير الخدمات الحكومية، كتطوير القطاع الصحي والتعليمي ودعم البحث العلمي وتقديم خدمات في الإسكان والرعاية الاجتماعيّة والمشاريع ذات البعد القومي كالمطارات والموانئ وشبكات الطرق والقطارات ومشاريع الأمن الغذائي، وتنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على النفط في الدخل القومي والتي تسهم في متانة الاقتصاد الوطني؛ ولن يتأتى ذلك إلا من خلال التعاون وتوحيد الجهود، وتفهم المسؤولية المجتمعية والمشاركة والمساهمة، وذلك من خلال إنشاء صندوق الولايات..!

تعليق عبر الفيس بوك