تقييم الأداء الحكومي

حاتم الطائي

يأخذُ البعضُ على الأداء الإداري الحكومي ضَعْفَ الكفاءة والإنتاجية، وهيمنة البيروقراطية على العديد من مفاصله الحيوية. ورغم ما في هذا القول من تعميمٍ قد يَرَاه البعضُ مُخِلًّا وغير دقيق، إلا أنه إذا حاولنا تطبيق معايير قياس أداء صارمة، سنجد أنفسنا نتَّفق مع من يقولون بضعف فاعلية هذا الأداء.

وبداية.. لنتوافق على العوامل الأساسية التي تُشكِّل محورَ نجاح الأداء الإداري الحكومي؛ وهي في نظري منظومة متكاملة وسلسلة مُتصلة، يُؤثر غياب أي حلقة فيها على المحصلة النهائية.

وفي مُقدِّمة هذه العوامل: المرجعية، والرُّؤية الواضحة التي تشكل منهاجا عاما ينبغي للجميع أن يسترشد بأهدافه، كما يجب أنْ يكون حاضرًا في أذهان جميع الشركاء رسالة المرفق المعين ودوره في العمل التنموي.

وأرى كذلك أنَّ من عوامل النجاح للأداء الحكومي التناغم والتنسيق على المستويين العمودي والأفقي؛ فالعمودي يكون داخل المؤسسة الواحدة، بينما يهتم الأفقي بالعلاقة التنسيقية للمؤسسة مع الجهات الأخرى. وحتى يُؤتي العمل الإداري ثمارَه المرجوَّة، ينبغي أن تكون أهدافه قابلة للقياس ضمن برنامج زمني محدد. علاوة على إعمال مبدأ المحاسبة والشفافية في كافة مراحل الأداء. وقد تكون هناك عوامل أخرى، إلا أننا سنتطرَّق بشيء من التفصيل لما أشرنا إليه من قواعد وأُسس الأداء الإداري الناجح والمثمر.

لقد استشرى داء البيروقراطية في مفاصل الكثير من الإدارات الحكومية، وبصورة أقعدتها عن أداء دورها بالصورة المأمولة، وأرى أنَّ تفعيل مثل هذه الإدارات رهينٌ بإيجاد المعالجات الكفيلة بالقضاء على البطء في الإنجاز من خلال التطوير الإداري للمرافق التي تُعاني ذلك، باعتماد المرجعيات التي أشرنا إليها في صدر هذا المقال، على أنْ نستصحب في هذا المسعى الكثيرَ من العزم والإرادة لتحقيق التطوير المنشود. وأجزم بأنَّها ستكون خطوة في الاتجاه الصحيح على طريق التطوير الإداري الذي يُعتبر أساسَ العمل المؤسسي، خاصة في هذه المرحلة من عُمر الدولة التي تُعتبر مُنعطفا جديدا نحو التحديث لمواكبة متطلبات المرحلة المقبلة التي عنوانها: "التميز في الأداء، والجودة في الإنتاج".

وفي سعينا للتطوير، علينا إدراك أن تطوير الأداء الحكومي يرتكز أساسا على تبني عقلية إدارية متجددة تؤمن بالتغيير إلى الأفضل على صعيد سرعة الإنجاز والارتقاء بمفهوم الأداء، وتوظيف الكفاءات لخدمة هذا الهدف، وإطلاق مُبادرات بناءة للدخول إلى عصر الإنتاج الدقيق والنوعي مع الاهتمام بتجديد الدماء الإدارية التي ترفد المؤسسة بقيم ومعارف تلائم العصر.

وهناك جزئية تتعلق بالرقابة والشفافية والمحاسبة، وهي مسؤولة عن تعزيز قيم الانضباط، وتحفيز روح المسؤولية نحو تجويد الأداء. وفي هذا الإطار، ينهض جهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة بدور مُقدَّر في مُتابعة أداء الجهات الخاضعة لرقابته. ولا شك أنَّ توسيع دائرة هذه الرقابة من شأنه أن ينعكس إيجابا على الجهات المشمولة بذلك. وفي هذا الصدد، يُمكن قراءة الأوامر السامية التي تفضَّل بها مولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان المعظم -حفظه الله ورعاه- نهاية الأسبوع الماضي، بأنْ تشمل رقابة الجهاز: بلدية مسقط، والأمانة العامة لمجلس الوزراء، ‏ومحكمة القضاء الإداري، والهيئة العامة للصناعات الحرفية؛ في خطوة تعزِّز مسار دولة القانون، وتُمثل خطوة مهمة وركيزة أساسية من ركائز إعلاء شأن الدولة الحديثة.

.. إنَّ السلطنة وهي تدخل مرحلةً جديدةً، بتدشين خطة التنمية الخمسية التاسعة، تحتاج إلى أداء أكثر فاعلية، وأسرع إيقاعا لمسايرة الأهداف الطموحة المضمنة في ثنايا الخطة الخمسية التاسعة؛ فالخطط القوية والحافلة بالبنود الهادفة، قد لا تُثمر الكثيرَ إنْ لم يكن هناك أداء تنفيذي قوي؛ فالخطط لا تكتمل سوى بالتنفيذ المتقن. ومن هنا، تأتي أهمية أن تُنزل هذه الأهداف من مستوى الوزراء والوكلاء إلى مديري العموم ورؤساء الأقسام؛ لأنهم معنيون بتنفيذها؛ وعندما لا يدرك المعنيون بتنفيذ الخطة الكثيرَ عن أهميتها وضرورات تطبيقها على أرض الواقع، فإنه ينتج عن ذلك ضعفٌ ووهنٌ يتسرَّب إلى كافة مراحل التنفيذ؛ مما يُلقي بظلال سلبية على مُجمل الأداء.

ولو أخذنا قطاع الثروة السمكية -على سبيل المثال- فلابد أن يكون هناك اجتماع لكل الشركاء والمعنيين بالخطة من دوائر حكومية معنية والقطاع الخاص لوضع الأولويات المناسبة لنجاح الأهداف المرسومة له؛ ليعمل الجميع ضمن الفريق الواحد والرؤية الواحدة وبلغة واحدة لتحقيق الهدف المشترك. ومن هنا، يقع على عاتق المجلس الأعلى للتخطيط دَوْر مهم لا يتوقَّف عند المستوى التخطيطي فحسب، بل يتخطاه إلى متابعة تحقيق الأهداف بشكل دوري ومستمر؛ مما يُحتِّم تطبيق معايير لقياس الأداء والمعروفة باسم "kpi"، والتي تشمل أربع عمليات: "بناء المقاييس، ثم التقييم، ثم التقويم، والتحسين".

فمثلاً: ما هو المستهدف إنجازه من إباحات بناء في بلدية مسقط خلال شهر واحد، وكيف يُمكن تحقيقه ووضع آليات للثواب والعقاب يُمكن مُحاسبة الإدارة عليها.. وهكذا دواليك على مختلف الدوائر الحكومية الأخرى التي طالما اشتكى المواطنون من ضعف إنتاجيتها. فوضع هذه المعايير ضروري لتمكين الإدارة من قياس نجاحها بشكل موضوعي.

ويبقى القول: إنَّ تطويرالأداء الحكومي واجب مُلح لمقابلة احتياجات هذه المرحلة من مسارنا التنموي، وشرط ضروري للدخول إلى المستقبل ونحن أكثر استعدادًا للتفاعل الإيجابي مع مُتطلباته والاستفادة من معطياته.