"الرؤية" تستطلع الأدباء والمثقفين حول أهم الكتب التي طالعوها في العام 2015

تنوَّعت الاهتمامات بين السير الذاتية والكتابات الفلسفية وأدبيات التنمية البشرية

< الغيلاني: اقتنيت "نظرية المقاصد" قبل سنوات ولم اقرأه قراءة منهجية متكاملة إلا العام الماضي

< عيسى: "النزعة العدمية" يقدم للقارئ العربي رؤية أعمق من تلك التي اعتادها عن فلاسفة أورربا

< الشكيلي: اكتسبت العديد من المهارات التي يتضمنها كتاب "أسرار التواصل" وأنصح الجميع به

الرُّؤية - خالد الرواحي

استطلعتْ "الرُّؤية" عددا من الكتاب والمثقين للتعرف على أهم ما قرأوه خلال العام 2015، والكتب التي ينصحون غيرهم بقراءتها بناءً على حصيلة ما اطلعوا عليه خلال العام المنصرم من كتابات في مختلف المجالات الأدبية والعلمية والتاريخية.

وقال الدكتور عبدالله بن محمد الغيلاني إنه اقتنى كتاب "نظرية المقاصد عند الإمام الشاطبي" قبل سنوات، وكان يرجع إليه كلما اقتضت الحاجة البحثية، حتى جاء العام 2015 فانصرف إلى قراءته قراءة منهجية متأنية، ومردُّ ذلك بحث أعمل عليه يدور موضوعه حول الفكر السياسي الإسلامي المعاصر.والكتاب كما يشير عنوانه، هو سعي بحثي جاد إلى استخراج أصول النظرية المقاصدية عند عالم من علماء الأمة الافذاذ وهو أبو إسحاق الشاطبي المتوفى في العام 790 للهجرة، من علماء الأندلس، والذي كان علَّامة فارقة في الحضارة الإسلامية؛ فهو المؤسس الحقيقي لعلم "مقاصد الشريعة".صحيح، لم يكن هذا العلم غائبا قبل الشاطبي، بل كان حاضرا في متون علماء الأصول، ولكنه لم يكن متبلوراً ولا منضبطاً.فجاء الشاطبي فجعل منه علماً مستقلاً، ووضع له من القواعد والأصول ما يحدد هويته ويضبط مجالاته، ويجلي غوامضه، فصار الشاطبي بهذا السبق المعرفي رائد هذا الفن بغير منازع.

وعن محتوى الكتاب، قال الغيلاني إنه في جوهره نقد علمي رصين لكتاب الإمام الشاطبي الموسوم بـ"الموافقات في أصول الاحكام"، ويقع في أربعة أجزاء لمؤلفه الدكتور أحمد الريسوني، وهو الكتاب الذي أودعه الشاطبي نظريته المقاصدية، وبلور فيه رؤيته لكيفية التعامل مع نصوص الوحي.وقد سعى المؤلف إلى إستقراء المفاهيم الكلية التي بنى عليها الشاطبي نظريته في التأسيس لعلم المقاصد، وإبراز معالم التجديد التي تلك النظرية.

وأضاف الغيلاني بأنَّ لغة الكتاب تتسم بجزالة اللفظ، وإشراقة البيان، وعذوبة التعبير، وصدق اللهجة. أما منهج التناول فقد كان علميا صارما، وموضوعياً شاملا. فرغم إشادته بالابداع المعرفي والإضافات العلمية التي جاء بها الشاطبي، فقد انتقده في غير موضع، وتعقب بعض زلاته في جملة مواطن. وأهم ما خلُص إليه المؤلف هو أن الشاطبي قد انفرد بالتأسيس الحقيقي لعلم المقاصد، ذلك أنه توسع في التأصيل والتعريف ومنهج التناول، فأتى بما لم يسبقه إليه أحد من المتقدمين. كما أنه -أي الشاطبي- قد توقف مليًّا عند مبحثين مهمين؛ هما: التعليل والمصالح، وهذا المبحثان يشكلان البنية الجوهرية لعلم المقاصد؛ إذ عليهما يدور فهم مقاصد النصوص وغاياتها، ومنهما تستل الاحكام وبهما تضبط المآلات. كذلك فإن الشاطبي استنبط جملة صالحة من القواعد الأصولية الكلية التي يمكن أن تشكل أساساً صلباً لفهم النص.

وأكَّد الغيلاني أن الكتاب يُعد من المصنفات التي شكلت إضافة جوهرية للمكتبة العربية والاسلامية، سواءً في منهجه أو في موضوعه، خاصة وأن علم المقاصد هو من العلوم التي ينبغي إحياؤها وتجديد معالمها، وتأكيد العمل بها. والأمة في هذا العصر أحوج ما تكون إلى الفهم المقاصدي لنصوص الوحي، وإلى القراءة المآلية عند استنباط الأحكام وتطبيقها، وعلم المقاصد هو الرافعة الموصلة إلى فهم النصوص والتعاطي معها على النحو الذي يحفظ أصول الشريعة وكلياتها من جهة، وينظر إلى معطيات الواقع وخصائص العصر من جهة أخرى.

النزعة العدمية

ومن جانبه، قال الشاعر سماء عيسى إنَّ كتاب "النزعة العدمية" الذي قرأه في العام 2015 جديد في موضوعه خاصة للقارئ العربي، الذي اعتاد على معرفة سطحية لعدد من كتاب وفلاسفة العدم الأوروبيين آرثر شوبنهاور وصامويل بيكتب وإميل سيوران وميلان كونديرا وتوماس بيرنهارد...وغيرهم. والكاتبة نانسي هيوستن روائية وناقدة موسيقية لها ما يزيد على الثلاثين كتابا، تتوزع على الرواية والدراسات النقدية، تتقصى منبثقة عبر دراسة عميقة لحياة وإبداع عدد من أبرز الفلاسفة والكتاب الأوروبيين لتبين لنا -وبجرأة- صحة هذه الادعاءات كمعاناة حقيقة لديهم، وهي مثلما تذهب توفر عدد من العوامل البيوغرافية حفزت على تبني المذهب العربي؛ أهمها: الولادة في بلد شديد التناقض الوجداني، والعيش في قوقعة التعاسة العائلية، بدايات خاطئة في علم الأدب، وأزمة محضية أو وجودية أدى إلى هذا التحول.

وأضاف سماء عيسى بأن المؤلفة تصف هؤلاء الكتاب بأساتذة اليأس وتختلف أساليب حياتهم المرحة والمعتمدة على حب الحياة والضحك والغناء والمجون، عن نشاطهم الإبداعي والذي هو الشيء الوحيد الذي يمنح لوجودهم معنى. كما أنَّ قراءة النصوص العدمية الكبرى تمثل في الأغلب تجربة مثيرة؛ فالتعبير عن اليأس يدفعنا للتامل أكثر بكثير مما يفعل التعبير عن الغبطة، فإننا نعثر فيه على بغيتنا لأننا لا نجد اعترافا بآلامنا الخاصة فحسب، بل نجدها وقد ارتقى بها إلى النبل والتوهج بفعل روعة الأدب. وتفضح الكاتبة الاّراء السياسية العنصرية، لعدد من كتاب العدم واليأس، كيف يتبنى الفلسفة العدمية كاتب مثل ويلبيو وهو من أشد الكتاب عنصرية ضد العرب والمسلمين، وكيف يكون عدميا وشخصية في إحدى رواياته تقول إنه "يرتعش سعادة كلما أصابت رصاصة رأس فلسطيني أو امرأة فلسطينية" فيتضح من ذلك أنه كاتب فاشي عنصري تتضح كتاباته بالعداء للطفولة وبراءتها في وجه القمع الصهيوني الذي لم يشهد التاريخ له مثيلا إلا في البلاد العربية.

وأرجع سماء عيسى أهمية الكتاب إلى أنه كُتب بلغة مبسطة دون التخلي عن عمق الطرح وجديته، ولأن الكاتبة روائية فقد قدمت معظم كتاباتها على هيئة حوار بينها وبين الربة سوزي، فضلا عن أنه لشرح أفكارها استعانة بالشعر أيضا مقدمة عددًا من النصوص التي تلخص الأطروحات الأساسية للفلسفة العدمية، وترجم هذا الكتاب الشاعر الفلسطيني وليد السويركي بلغة شاعرية، احتفظ لنا بأمانة النص وبجدارة اللفظ وغنى المادة العلمية في نفس الوقت.

أسرار التواصل

وقال زايد الشكيلي مدرب في الموارد البشرية: إنَّ كتاب "أسرار التواصل" من أهم الكتب التي اطلع عليها وحرص على قراءتها في العام 2015، ويتضمن الكتاب كلَّ ما يتعلق بأسرار التواصل في عالم الأعمال والعلاقات العامة وقد حرصت المؤلفه كارولاين بويز على تنوع المحتوى، وترجمت الكتاب مكتبة جرير كونه من أروع الكتب التي لاقت رواجا واسعاً بالعالم، خاصة لما تتمتع به المؤلفة صاحبة كتابمن قدرة على السرد بأسلوب التشويق وتكامل المواضيع بسلاسة واضحة ومرتبة.

وأضاف الشكيلي بأنَّ أهم ما يميز الكتاب حجمه المتوسط حيث يمكن حمله أثناء السفر والتجوال وقراءته خلال ساعات الاسترخاء ومشاركة الزملاء نزهاتهم، ولعل أبرز ما يهتم به الكتاب التدريب على مهارات التواصل التي تنقل مستوى الإدراك والفهم والتفاعل للقارئ من مستوى إلى آخر أفضل، ويمكن القول بأن الكتاب من أهم عوامل التغيير الفردي أو حتى على مستوى المجموعات.

وأوضح الشكيلي أنَّ الكتاب مقسم إلى سبعة أبواب رئيسية؛ هي "الأسس الراسغة- أساسيات لغة الجسد- حديث الذات وحديث الفريق- الاستفادة القصوى من اللقاءات والاجتماعات- البيع بنجاح- التعامل عن بُعد- تجاوز الصعوبات)، لافتا إلى أن الكاتبة اعتمدت في أسلوب سردها على الابتعاد عن أسلوب الـ"أنا"، وهذا أسلوب مؤثر حقاً؛ فأنا كقارئ لا أبحث عن صفات ومهارات الكاتب بقدر ما أبحث عن تلك الميزة المستفادة من خلال القراءة في موضوع الكتاب، وبعدها يمكنني الحكم هل يستحق الكاتب التقدير الروحي مني أم لا، ومن ثم يمكنني التعبير عن ذلك بمحاولة التحلي ببعض صفاته ومهاراته والتواصل معه كونه سردًا بأسلوب محايد، بعيدا على الشخصنة. وقد قسمت الكاتبة اسلوب السرد إلى طرح المقدمة في الفصل الواحد ثم النظرية العلمية التي أجمع عليها الخبراء، ومن ثم الخلاصة المستفادة والتي خرجت منها بالعديد من الخلاصات حسب قوة انتباهي واستفادتي من قراءة الكتاب، كما أنَّ الكاتبة أكدت على أهمية تشارك المعرفة مع باقي الخبراء، وهنا تتحق صدق الحكمة التي أعتبرها رسالتي الشخصية في الحياة والتي تقول "لا يوجد من هو أذكى منا مجتمعين". واختتم الشكيلي بقوله إنه على قناعة بأن الكتاب كلما قراته بين فترة واخرى سيخرج بخلاصات وفوائد جمة.

تعليق عبر الفيس بوك