السعودية تلجأ إلى ترياق رفع أسعار الطاقة والمياه لمواجهة هبوط النفط وتخفيف ضغوط الميزانية العامة

الرياض- رويترز

في واحدة من أكبر الإصلاحات الاقتصادية منذ عشر سنوات، قررت الحكومة السعودية رفع الأسعار المحلية للوقود والمياه والكهرباء في إطار إصلاحات تهدف إلى الحد من الضغوط على الموازنة العامة وضمان كفاءة استخدام الطاقة في ظل هبوط أسعار النفط.

وقالت وزارة المالية إنّها تعتزم تعديل منظومة دعم المياه والكهرباء والمنتجات البترولية على مدى خمس سنوات. وتتسم هذه الخطوة بالحساسية من الناحية السياسية إذ اعتادت المملكة الإبقاء على الأسعار المحلية عند واحد من أدنى المستويات في العالم في إطار الإنفاق على الرعاية الاجتماعية. وتهدف التعديلات إلى تحقيق الكفاءة في استخدام الطاقة والمحافظة على الموارد الطبيعية ووقف الهدر والاستخدام غير الرشيد والتقليل من الآثار السلبية على المواطنين متوسطي ومحدودي الدخل وتنافسية قطاع الأعمال. وحتى يوم الإثنين كانت أسعار الوقود والمياه والكهرباء في المملكة من بين الأدنى في العالم بسبب الدعم الحكومي الكبير لها والذي يقدر بمليارات الدولارات ولا تزال بعد التعديل عند مستويات متدنية بالمستويات الاقليمية والعالمية. وقدرت جدوى للاستثمار أن دعم أسعار الطاقة قد كلف الحكومة السعودية نحو 61 مليار دولار في عام 2015 بما يعادل 9.3 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي. وأضافت في تقرير أرسل لرويترز أن دعم البنزين يشكل أكبر بند للخسارة بتكلفة قدرها 23 مليار دولار وبنسبة 3.2 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي وذلك لأنه يمثل نسبة كبيرة من إجمالي الطلب على الطاقة في المملكة. وقررت الحكومة رفع أسعار الوقود والمياه والكهرباء والغاز- الذي يستخدم كلقيم في قطاع البتروكيماويات- في إطار إصلاحات بمنظومة الدعم تهدف إلى تكيف المالية العامة للدولة مع هبوط أسعار النفط. وزاد سعر البنزين 95 أوكتين إلى 0.90 ريال (0.24 دولار) للتر من 0.60 ريال وإن كان لا يزال منخفضا جدا بالمعايير العالمية كما ارتفع سعر البنزين 91 اوكتين إلى 0.75 ريال للتر من 0.45 ريال. وجرى رفع سعر الميثان إلى 1.25 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية والإيثان إلى 1.75 دولار من 75 سنتا لكل منهما والذي كان واحدا من أدنى الأسعار في العالم. وبدأ تنفيذ قرار رفع أسعار الوقود اعتبارا من يوم الثلاثاء فيما سيطبق قرار زيادة أسعار الكهرباء والمياه في مطلع يناير المقبل.

وقال عبد الله الحصين وزير المياه والكهرباء في لقاء مع الصحفيين بعد إعلان الموازنة السعودية إن التعريفة الحالية المعمول بها في قطاعي المياه والكهرباء جعلت السعودية - على ندرة مصادرها المائية والصعوبة البالغة في تحلية المياه ونقلها- "من الدول الأكثر استهلاكا على مستوى الفرد. والأمر ذاته ينطبق على استهلاك الكهرباء". وأضاف "منظمة الصحة العالمية قدرت حجم الاستهلاك المريح والصحي للمياه للفرد الواحد بنحو 83 لترا في اليوم...لكن ما يستهلكه الفرد في المملكة الآن ثلاثة أضعاف هذا القدر بنحو 250 لترا في اليوم وهذا الاستهلاك لا يمكن مجاراته". وقالت جدوى للاستثمار في تقريرها إن المستهلك المحلي يدفع ثلاثة سنتات أمريكية مقابل حصوله على كل كيلووات/ ساعة من الكهرباء في المملكة وهو ما يقل بنسبة 60 بالمئة عن الأسعار العالمية وإن من المنتظر وفقا لتقديرات حكومية أن يرتفع الطلب على الكهرباء بنسبة 25 بالمئة بين عامي 2015 و2020. وأكد الحصين أن 87 بالمئة من الفواتير التي صدرت هذا العام عن الشركة السعودية للكهرباء لن تتأثر بزيادة أسعار الكهرباء ما يعني أن أصحاب الدخل المتوسط والمحدود لن يتأثروا بزيادة الأسعار. وفي رد على سؤال لرويترز على هامش اللقاء بشأن المبلغ المتوقع توفيره جراء هذه الإصلاحات قال الوزير "في حال استجابة المواطنين للتعريفة الجديدة سيمكن توفير الكثير ليس فقط من الأصول القائمة ولكن فيما يتعلق بالتوسعات المستقبلية". وتابع "ليس لدينا تقديرات أولية..لكن في حال الوصول بمعدلات الاستهلاك إلى المتوسط المعمول به في الاتحاد الأوروبي وهو معدل مرتفع سيعني ذلك أنه ستتوافر لدينا ضعف الطاقة التي نحتاج إليها ما يعني اننا لن نحتاج للتوسع في المستقبل كما نحن مضطرون الآن...سيكون هذا توفير كبير".

وقال رئيس مجلس إدارة شركة أرامكو السعودية خالد الفالح إنه على ثقة بأن الصناعات المحلية بما فيها قطاع البتروكيماويات ستتكيف مع الزيادة في أسعار الطاقة المحلية وستظل قادرة على المنافسة.

وهبطت شركات البتروكيماويات المدرجة في البورصة السعودية أمس وانخفض مؤشر القطاع 5.4 بالمئة وقاد سهم سابك تراجعات البورصة بخسائر قوية بلغت 5.8 بالمئة. وشمل تعديل الأسعار كافة نواحي الطاقة سواء البنزين والديزل أو المنتجات التي يستخدمها القطاع الصناعي ومنها الغاز والايثان والميثان والبروبان والبيوتان والنافتا والبترول الخام وزيت الوقود. وقال الفالح "تصحيح الأسعار خطوة في الطريق الصحيح. بالطبع هي خطوة ليست الأخيرة لكن ليس من المتوقع زيادة أخرى للأسعار قريبا". وتابع "ستكون هناك مراجعة دورية للأسعار من جانب الحكومة للتأكد من أن التعديلات تتم في الوقت المناسب وعندما نشعر أن القطاعات ستتمكن من استيعاب الزيادة المقبلة". وقال "كل المنتجات تم تعديلها بحكمة...لأن الخيار كان إما ابقاؤها كما هي أو رفعها دفعة واحدة لمستويات الأسعار العالمية. ما تم اختياره هو رفع الأسعار لمستوى عام 2006...هذه خطوة جيدة للأمام من ناحية مقاربة أسعار المملكة إلى الأسعار العالمية بعض الشيء وإن لم نقترب منها بأي شكل من الأشكال". وأضاف "يظل ما ينفق على البنزين قليل جدا مقارنة بما ينفقه الفرد على فاتورة الاتصالات أو على الكثير من الكماليات".

تعليق عبر الفيس بوك