السلامة الغذائية والمصالح التجارية

حميد السعيدي

الغذاء من العناصر الرئيسية للإنسان، وحتى يحقق فائدته فإنه يحتاج للمحافظة على سلامته وجودته من الضرر، والفساد، والتلوث، بدءًا من مراحله الأولى في الإنتاج الزراعي ثم الصناعي، والنقل التجاري والبيع، وصولًا إلى المستهلك.. فكلُّ هذه المراحل تتطلب الأمانة في أداء دورها للحفاظ على جودة الغذاء، والالتزام بالأنظمة والقوانين التي تضمن محافظة الغذاء على سلامته، ولكن في ظل الاحتياج للحصول على غذاء سليم، نجد أنَّ هذا الفكر قد لا يتوافق مع المصالح التجارية؛ إذ إنَّ الاقتصاد الرأسمالي ينتهج سياسة تهدف إلى تحقيق أكبر عائد مادي بتكلفة إنتاج منخفضة، وإيجاد أسواق استهلاكية بصورة مستمرة ومرتبطة بإنتاجهم، وتحقيق ذلك قد يدفعه لتخطى العديد من الأنظمة والمعايير المرتبط بجودة وسلامة المنتجات، رغبةً في تحقيق أهدافه الاقتصادية. وهنا تكمُن خُطورة توجهاته، والتي تسبِّب -على المدى البعيد- إشكاليات متعددة تؤثر على المستهلك، وتزداد خطورة ذلك عندما يتعلق بالغذاء.

... إنَّ سلامة وجودة الغذاء من حقوق الإنسان الأساسية، والتي يتوجَّب على المؤسسات الحكومية أن تقوم بدورها في حماية المواطن من تعرضه للأمراض أو المشاكل الصحية نتيجة تناوله لأغذية غير سليمة، خاصة في ظل العولمة التجارية التي يشهدها العالم، والتطور في المنتجات الزراعية والمنتجات المصنعة، والتي بعضها تعرض للتغيُّر في مُواصفاته بغية الحصول على منتجات بكميات أو أحجام كبيرة، أو التلاعب في مواصفاتها للحصول على عائد مادي، أو استخدام مواد سامة ومحظورة أو مسببة للأمراض، والتي تستخدم في عمليات الزراعة أو الإنتاج الصناعي؛ مما يؤثر على صحة الإنسان، ويسهم في تفشي الأمراض، ووهن وضعف المجتمع.

إلا أنَّ الفترةَ الماضية من ميلاد هيئة حماية المستهلك، كشفتْ العديدَ من التجاوزات في مجال الأغذية، بما يُخالف كل الأنظمة الصحية التي تهتم بصحة الإنسان وما يتناوله من أغذية، وشملت هذه التجاوزات أغذية الأطفال وبقية المواد الغذائية المصنعة أو التي تنتج محليا والمستوردة كالمنتجات الزراعية، أو الصناعية؛ مما يُعطي مُؤشرات على مدى خطورة الوضع القائم في مجال التغذية، وهذه المخالفات تُسهم في خلق مجتمع يعاني من إشكاليات صحية متعددة تكلف الخزينة مبالغ كبيرة في مجال العلاج، إلى جانب خطورتها في بناء جيل غير قادر على الإنتاج أو القيام بواجباته الوظيفية.

لذا؛ فنحن نواجه مشكلة كبيرة متعلقة بسلامة وجودة الغذاء المقدم للمواطنين، سيما وأنه ورغم الجهود التي تبذلها المؤسسات الحكومية الصحية والبلدية والزراعية والتجارية في مجال المتابعة والفحص للمنتجات الغذائية، إلا أنَّ الأمر يحتاج لتكامل هذه الجهود في مؤسسة وطنية تتخصص في مجال سلامة وجودة الغذاء، وهذا ما تبنته توصيات مؤتمر سلامة الغذاء 2015م والذي عقد في أبريل الماضي، وجاء في توصياته بضرورة إنشاء مركز وطني لسلامة وجودة الغذاء، يختص في إصدار التشريعات والمعايير والمواصفات المعنية بالأغذية الصحية، وحماية الإنسان من تعرضه للأغذية السامة والمؤذية، والاهتمام بتوفير أغذية ذات جودة عالية تتوافق مع المواصفات العالمية من حيث الاهتمام بالتصنيع، والتخزين، والبيع، وفقا لأسس عملية تنظم عملية الاهتمام بسلامة وجودة الغذاء الذي يقدم للاستهلاك الإنساني، خالية من المخاطر الميكروبيولوجية والكيميائية الملوثة للغذاء، وهذا يعكس مدى الاهتمام بأهمية الغذاء وحصول المواطن عليه بصورة لا تسبِّب له (المواطن) الأضرار الصحية، خاصة في ظل التزايد الكبير في عدد المنشآت المعنية بالغذاء بالسلطنة (50 ألف منشأة غذائية وفقا لإحصائيات وزارة البلديات الإقليمية وموارد المياه)، هذا إذا ربطنا ذلك بما يشهده العالم من تزايد في عدد الوفيات المرتبطة بالغذاء والماء؛ حيث تصل النسبة إلى مليوني حالة وفاة أغلبها من فئة الأطفال.

إذن؛ نحن اليوم أمام خطر كبير يواجه صحة المواطنين، يتطلب الإسراع في العمل الجاد والمخلص لبناء منظومة صحية رقابية تستطيع القيام بأدوارها في الرقابة، والمتابعة، والاكتشاف، وصياغة القوانين، بهدف منع مَنْ تُسوِّل له نفسه أن يعبث بصحة المواطنين من خلال التلاعب بسلامة وجودة الغذاء. فمادمنا نؤمن بأنَّ الإنسان العُماني هو ركيزة أساسية في الوطن، فيجب أن تبقى المصلحة الوطنية هي المسار الذي يجب أن نعمل من أجله.

Hm.alsaidi2@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك