السريحي يتناول جدل الحداثة والعريمي يستقرئ المشهد النقدي ضمن فعاليات مهرجان "أثير" للشعر العربي

مسقط - الرؤية

أقيمت أمس جلسة نقدية ضمن فعاليات مهرجان "أثير" للشعر العربي بمشاركة د. سعيد السريحي الذي قدم ورقة عمل بعنوان "جدل الحداثة والتراث في التجربة الشعرية الجديدة"، وقال خلالها إن تجربة الحداثة التي خاضتها القصيدة المعاصرة لم تثر سؤالا أكبر حجما وأكثر إثارة للضجيج من السؤال الذي دار حول علاقتها بالتراث الذي ينتمي إليه السالكون طريقها، ولم تتفاوت الإجابة على سؤال بقدر ما تفاوتت في الإجابة على هذا السؤال، فإذا كان الرافضون لها قد ذهبوا إلى أنها تنكرت للتراث وأعلنت القطيعة معه فإنّ المنتقدين لها أخذوا عليها ما تتسم به حمولات معرفية تشكل حضورا كثيفا للتراث لغة ورموزا على نحو إن لم يحل بينها وبين جمهور المتلقين فقد جعل منها تجربة نخبوية يتعسر الولوج إلى عالمها دون التزود بمرجعيات معرفية تحل مغاليقها وتسهل التعاطي معها، وهذا الإشكال الذي يبدو لنا وكأنما هو إشكال جديد طرحته حداثة التجربة الشعرية هو في جوهره إشكال قديم قدم حداثة أي تجربة شعرية وحسبنا في هذا المقام أن نستشهد بكلمة ابن الأعرابي التي تداولها من عابوا على أبي تمام تجربته حين قال: إن كان هذا شعرًا فما قالته العرب باطل، وبكلمة أعرابي حين استغلق عليه فهم شعر أبي تمام فقال: أما أن يكون هذا الرجل أشعر الناس جميعاً أو يكون الناس جميعاً أشعر منه، وإذا كان ابن الأعرابي ترصّد ما رآه من قطيعة بين شعر أبي تمام وما قالته العرب من شعر فإنّ الأعرابي أعرب في كلمته عما استشعره من قطيعة بين شعر أبي تمام وجمهور المتلقين ممن تعودوا على نمط من الشعر معانيه إلى قلوبهم أسرع من ألفاظه إلى أسماعهم.

وأشار السريحي في الجلسة النقدية إلى علاقة التجربة الحديثة بالتراث علاقة معقدة ومركبة ولعل تمردها على الجانب الشكلي في التراث ورفضها أن تكون استنساخا له واستعادة لطرائقه في التعامل مع اللغة ونظرته إلى العالم قد أفضى بها إلى استحضار اشد عمقا وأكثر فطنة للتراث غير أنه الاستحضار الذي يفترض في متلقي هذه التجربة أن يشاطر شاعرها أفقه الثقافي من ناحية ونظرته إلى التراث واللغة والعالم من حوله من ناحية أخرى، أو أن يكون متفهما لطبيعة هذه النظرة على أقل تقدير متسما بغير قليل من التسامح الذي يمكن له أن يمد جسور التواصل مع هذه التجربة والاعتراف بحق الشاعر في الاختلاف مع التراث ومعه في نظرته لهذا التراث. ويبدأ الإشكال في النظر إلى علاقة التجربة الحديثة بالتراث من اختلاف النظر فيما هو مقصود بالتراث، فإذا كان لا يعنى لدى بعض الدارسين شيئا غير التراث العربي المتمثل في الشعر الفصيح فإنه يتجاوز ذلك إلى آفاق أخرى لدى دارسين آخرين تتمثل في كل منجز إنساني بصرف النظر عن اللغة التي كتب بها والثقافة التي ينتمي إليها، فإذا كان الشاعر الذي يكتب القصيدة التقليدية لا يعترف بغير المتنبي والبحتري وامرئ القيس وجرير والفرزدق آباء له فإن شاعر التجربة الحديثة تجري في عروقه دماء آباء يلتقي فيهم الشرق بالغرب ويتنادم رامبو وأبو نواس ويحتدم الجدل بين المعري ودانتي، وتنمحي المسافة بين العصور وتتلاشى الفواصل بين الثقافات، كما لم يعد الشعر رغم انفتاحه على مختلف التجارب الإنسانية ميراثه الوحيد بعد أن أصبح الشاعر الحديث شاعرا عابرا للثقافات يستحضر أساطير العالم ويستلهم فلسفاته ويعبر عن توق الإنسان المعاصر ونظرته للعالم من حوله.

واستعرض د. سالم العريمي ورقة بعنوان ( إطلالة على المشهد النقدي في عمان) وقال فيها إن القراءة النقدية أمر ضروري، وتحتمه الغاية التي تكمن في طبيعة الأدب، وتجعله أمرا مهما؛ كونه يسير بالأدب نحو الوجهة الصحيحة، ولأن القيمة الفينة من الأدب كانت حاضرة، وما زالت، في ماهية العمل الفنية، ولذا لم يستطع الأدباء بشكل عام أن يفارقوا هذا القيمة الخلقية، والأدبية، والفنية، وربما الاجتماعية والسياسية عند طرْقِهم أبوابَ العملية الإبداعية، فكان القصد القيَمي واضحا في مجمل الأدب الإنساني، ولذا فإن مسألة تقويم هذا الأدب ، ومحاولة وضعه على محك نقدي بات أمرا منتهيا، ومحاولة إعطاء أي أدب فسحة معينة من الاعتناء، وإظهار الجماليات وأشار العريمي إلى أن كثرة النصوص الأدبية، وتنوعها في كل العصور ، قد حتّم وجود نص آخر يقوم على النص السابق، وحديث تالٍ يأتي من وراء النص البادئ ليحاوره، أو يستجلي إشاراته، ويوضّح دلالاته، ويزيل الفجوة بين قائله ومتلقيه، ويزيح الهوة بين الأديب والقارئ. والمطّلعُ على الأدب العماني ـ الشعر منه خاصة ـ يلاحظ هذا الإرث الضخم الذي تمتلئ به العصور الأدبية منذ العصر الجاهلي وحتى العصر الحديث، وبغض النظر عن مدى قوته أو ضعفه أو كثافته، فإننا لا نجد ما يواكب هذا الأدب من الدراسة والبحث، وربما التقويم الذي هو من الحق المشروع للأدب، والذي لا يتأتى إلاّ من خلال المتابعة النقدية المتمثلة في الدراسة المتخصصة، أو حتى الإشارات العابرة التي نجدها في مظّان الأدب، أو تلك التي كانت محورا للمجالس الأدبية حين كان الشعر حاضرا بقوة في الذاكرة الأدبية العمانية، ولها طقوس أدبية معينة، تناقش الشعر بإنشاده وتقييمه الوقتي، في بساطة اللفظة اللغوية، والنحوية واللفتة العروضية، ولعل هذا الطريقة حفظت الإرث الشعري، ومكنته من الاستمرار في ثوبه القديم.

تعليق عبر الفيس بوك