النادي الثقافي ينظم رحلة جيولوجية في العامرات وبوشر بالتعاون مع الجمعية الجيولوجية العمانية

مسقط - الرُّؤية

نظَّم النادي الثقافي -وبالتعاون مع الجمعية الجيولوجية العمانية- أمس الأول، رحلة جيولوجية علمية في ولايتي العامرات وبوشر، بمشاركة عدد من الكتاب العمانيين.

وشملت الرحلة آثار ترسبات البحر وأحافير الحيوانات في حقبة الحياة القديمة بالعامرات، والطيات والصدوع الهائلة التي تكونت في العصر الطباشيري في وادي الميح، وصخور الأفيولايت، وصدع عمان الشمالي، والعيون الحارة في ولاية بوشر، إضافة إلى رمال بوشر، والأحافير البحرية، بغلا القديمة، إضافة إلى التعرف على تاريخ الولاية.

بدأتْ الرحلة بزيارة صخور المنطقة المتوسطة لما يعرف بجبال سيح حطاط، وهي تمثل الجزء الغربي لجبال الحجر الشرقي؛ إذ ترتفع هذه الجبال لأكثر من 1500م فوق سطح البحر، وتمثل ولاية العامرات التجويف الوسطي لهذه الجبال. في بداية الرحلة تمت زيارة وادي قحزة ووادي الميح، وهما يقعان في الجانبين الجنوبي والشمالي الشرقي للولاية على التوالي، ثم اتجهت الرحلة إلى ولاية بوشر التي تقع على السفح الشمالي لجبال الحجر الشرقي أو جبل سيح حطاط، على امتداد صدع يفصل صخور الأوفيولايت النارية من صخور الحجر الجيرية الرسوبية، ولذلك تمتاز هذه الولاية بوجود مجموعة من العيون الحارة بها.

المحطة الثانية للرحلة كانت إلى وادي الميح. ومن الناحية الجيولوجية على حافة جبل سيح حطاط خط الالتقاء بين صخور الأفيولايت القاتمة التي تنتمي لقشرة محيطية سابقة والصخور الجيرية المنتمية للقشرة القارية، وقد شُقَّ الطريق إلى قنتب على خط التماس بين هاتين الكتلتين الصخريتين، وخلال عملية اعتلاء صخور الأوفيولايت فوق أرض عمان، انخفضت الصفيحة العربية إلى مناطق ذات ضغط عالٍ ودرجة حرارة مرتفعة، وتصبح خصائص الصخور في هذه الظروف أشبه بالبلاستيك، ويوجد في وادي الميح مجموعة من الطيات التي تعبر عن هذه العملية بصورة رائعة جدا، ويُظن بأن هذه الصخور انخفضت إلى عمق كيلومترات عديدة في باطن الأرض الحار قبل أن ترتفع مرة أخرى إلى سطحها، ويمكن أن نرى في منطقة السيفة صخورَ الإيكلوجايت وهي عادة ما تتكون على أعماق تزيد عن 40 كم في باطن الأرض، وتمثل هذه الصخور أبرز مميزات جبل سيح حطاط، وهي تعد فريدة في العالم في خصائصها التركيبية.

بعد ذلك انطلقت الرحلة إلى ولاية بوشر وبالتحديد القرى القديمة التابعة لها كقرى غلا وصنب وصاد والمسفاتين التي تتميز بجيولوجية فريدة جدا كانت سببا في تميز هذه المناطق بموارد طبيعية غنية جعلتها محلا لاستقرار الإنسان وتمدنه منذ أزمنة قديمة جدا، ويمكن لهذه القرى أن تكون اليوم وجهة سياحية رائعة نظرا لوفرة المميزات الجيولوجية الطبيعية التي يمكن لها أن تكون عامل جذب فعال فيما لو تم توظيفه بطريقة علمية جذابة واعتني به وبمقوماته الجمالية من العبث أو الاستغلال المدني الجائر.

وتمثل الرمال الموجودة في ولاية بوشر والمناطق المحيطة بها فصلا مهمًا من تاريخ عمان الجيولوجي والبيئي في الفترة الممتدة إلى مائة ألف سنة ماضية، وهي تعبر عن التغيرات في مستوى سطح البحر وحركة الرياح عبر السنين بصور رائعة ودقيقة، وقد أُخذت عينات من هذه الرمال وحُدد عمرها بدقة بواسطة تقنية العناصر البراقة أو الساطعة والتي تستخدم معدن الكوارتز الموجود في هذه الصخور، وأظهرت هذه الدراسات أن رمال بوشر ترسبت في الفترات الجليدية المتأخرة على أكثر الاحتمالات، عندما كان مستوى سطح البحر أقل بأكثر من 100 متر عن مستواه الحالي، حينها كان الخط الساحلي بعيدا باتجاه البحر وكان جزء كبير من الأرض المغطاة بالبحر حاليا بارزا في السطح، إذ كان معرضا لرياح قوية تهب من جهة الشمال الشرقي باتجاه الجنوب الغربي، وقد ترسبت الرمال في المناطق المنخفضة نسبيا بين الجبال أو على حواف الأودية، علما بأن الرمال الموجودة اليوم هي ما تبقى من عمليات تعرية قامت بإزالة هذه الرمال من مجاري الأودية، وإعادة ترسبها عند مصاب الأودية في البحار، ومن هذا كله تظهر بوضوح أهمية هذه الرمال وأهمية المحافظة عليها، إذ أن فقدانها يعتبر فقداناً لدليل مهم في تطور بيئة عمان.

جدير بالذكر أنَّ الرحلة تأتي في سياق التعاون والشراكة بين النادي الثقافي والمؤسسات المختلفة، وتهدف إلى إتاحة الفرصة للمبدعين والكتاب لاكتشاف الجمال الطبيعي والجيلوجي الذي تتمتع به هذه المناطق، بغية الاستفادة من المقومات والمعطيات الجمالية لهذه الأمكنة وتوظيفها في الاشتغالات الإبداعية والكتابية لدى الكتاب.

تعليق عبر الفيس بوك