مجلس الشورى ..يدٌ تصافحُ الحكومة وأخرى تصالحُ المجتمع

د . صالح بن هاشل المسكري

قبل أيام قليلة انتهت انتخابات مجلس الشورى وأُعلِنت أسماء الخمسة وثمانينعضواً للمجلس في فترته القادمة حتى عام 2019م، وقدّم الناخبون والمترشحون والمُنظمون صورة واقعية لانتخابات نيابية ينتظرها العمانيون كل أربعة أعوام، وقد عكستالانتخابات مدى إقبال المواطنينواحترام المترشحين لقواعد الانتخابات، وأيضاً أظهرت تطور العمل ودقة التنظيمفي إدارة العملية الانتخابية والإشراف عليها من جميع الجهات المشاركة حتى إعلان النتائج، وكانت انتخابات ناجحة رغم الإشكالات التي رافقتها والتي عادة ما تصاحب الانتخابات البرلمانية في أغلب دول العالم، وقد أفرزت الانتخابات الأخيرة جيلاً جديداً من أعضاء الشورى يجمع بين خبرة الكبار وحماسة وطاقة الشباب، مع مستويات علمية عالية 54 عضوًا من مجموع 85 يحملون شهادات بين الدكتوراه والبكالوريوس وبقية الأعضاء لديهم دبلومات عالية وعامة، هذا الجيل الشاب يُعوّل عليه إجمالاً في حمل الأمانة الثقيلةوتحمل المسؤولية النيابية الوطنية وليس المناطقية أو العشائرية،مع تفعيل الاختصاصات والصلاحيات التي يضطلع بها المجلس،وأخذ زمام المبادرة في إدارة شؤون البلاد والإصرار على المشاركة السياسية الناجزة في مختلف الملفات وعدم التفريط في أي اختصاص منحهُ إياه النظام الأساسي للدولة وإن تقاطع مع أطراف أخرى فالاختصاص حق دستوري.

وعلى المجتمع الذي اختار ممثليه في مجلس الشورى أن يواصل الدعم والمساندة ولا يكتفي بالانتخاب فقط مدفوعاً بالزخم الإعلامي وبأشياء أخرى ثم يتراجع إلى الوراء،فالأمانة ليست في التصويت فحسب إنما في مواصلة العطاء وفي دفع المشاركة السياسيةلوجهتها الصحيحة، وعلى أفراد المجتمع أنيتعاونوا مع ممثليهم ويسهلوا مهمتهم تحت قبة الشورى من خلال مدهم بالمعلومات والمقترحات والأفكار التي تدعم نشاطهموتقوي حجتهم، كي يكون من حق الناخبين مستقبلاً أن يقيموا ممثليهم ويحاسبوهمبل ويسحبواعنهم الثقة في الفترة التالية إن وجدوا فيهم ضعفاً أو تقاعساً عن أداء الواجب، وهذه هي المشاركة السياسية الحقيقية للمجتمع وليس مجرد التصويت ثم الاختباء وراء سواتر النقد الجارح والتشهير وتوقع النتائج السحرية، ليكون الجميع مساهماً في نجاح العملية الديمقراطية وفي صنع النتائج الإيجابيةودعم القرار السياسي في البلاد.

مجلس الشورى في فترته السابعةوالأولى بعد توسيع اختصاصاته وفق المرسوم السلطاني رقم 99 / 2011 بذل جُهدا يستحق الإشادة والشكر ومارس أغلب صلاحياته رغم المعوقات التي واجهته من أطراف أخرى والتي نرجو أن يتغلب عليها ويجتازها في فترته الثامنة الحالية، وأهم المعوقات التي واجهها تلك المتصلة بعلاقة التعاون والتكامل مع المؤسسات الحكومية،وأصبح من الأهمية بمكانفي الأربع سنوات القادمة أن تضع الحكومة يدها بيد مجلس عمان بغرفتيه الدولة والشورى ليقررا معاً وينهضا بالمصالح العليا للبلاد،بعيداً عن تبادل اللوم والعتب وتجاذب الاختصاصات، وأن يبذل الطرفان أقصى جهد ممكنلسد الفجوة وتقليص المسافةالتي كانت سبباً في سوء الفهموالتنسيق بينهما وأفضت إلىتعطيل وتأجيل مشاريعومصالح وطنيةمهمة،وأولى الخطوات أن يتم تشخيص المشكلة جيداًوهي موجودةومنظورة،والعمل على اجتيازها تحقيقاً للمصالح العليا للوطن.

وإن كانت هناك من أمنيات نُعلقها على مجلس الشورى في الفترة الحالية فإنني أتطلّع كمواطن إلى أن يبذل المجلسأقصى طاقته ويضع ثقله كاملاً في تفعيل الاختصاصاتالتشريعية والمالية والرقابية التي كفلها له النظام الأساسي للدولة، وأن يقارعالحجة بالحجة والمعلومة الدقيقة بمثلها في حواره مع الحكومة والقطاعات الأخرى بعيداً عن الحدية المفتعلة والتشنجالمصطنع،بل على المجلس ألا يكتفي بالوقوف أمام عتبات السلطات الأخرى أو عند حدود النصوص الدستورية وعليه أن يعمل على تفسير هذه النصوص بما يمكنه منتوسيع نطاق صلاحياته وفتح مجالات أخرى للمشاركة السياسية ولا يُقيد نفسه بالنصوص الجامدة،ولديه في هذه الفترة من الكفاءات العلميةوالقانونية واللغوية ما يؤهله للقيامبذلك.

وأن يعمل المجلس على إقناع الجهات ذات الاختصاص بضرورة تطبيق نظام الرقابة على الدستوريةالقوانينفي أسرع وقت ممكن لأهمية هذا النظامفلا يتصور أن تكون هناك دولة مؤسسات يحكمها دستور ولديها سلطات عامة ولا يوجد لديها نظام للرقابة على الدستوريةيتولى حماية الدستور ويفك الاشتباك بين السلطات العامة إن حصل،وتأتي أهمية هذا الموضوع كونه يضمن نفاذ القاعدة الدستورية ويحمي شرعيتهاويحمي الحقوق والحريات العامة وأن القوانين على اختلاف مستوياتها لا تخالف القاعدة الدستورية إنما تنطلق منها، فلا يمكن لدولة القانون أن تستقر ولنظام المؤسسات أن ينهض بواجباته ويتحمل مسؤولياته إن لم يكن هناك فصل حقيقي للسلطات العامة وحدود واضحة تمنع اعتداء أي منها على الأخرى ونظام نافذ للرقابة على دستورية القوانين.

ويستند نظام الرقابة على دستورية القوانين إلى مبدأين هامين،مبدأ الشرعية الدستورية التي تعني أن يكون الدستور باعتباره القانون الأسمى هو المرجع لتحديد مؤسسات الدولة واختصاصاتها واختصاصات القائمين على تمثيلها المُعبرين عن إرادتها،ومبدأ سيادة القانون بأن تكون القاعدة القانونيةفوق إرادات الأفراد جميعاً وتلزمهم بأحكامها، فإن لم يلتزموا انقلب تصرفهم المخالف للقانون إلى تصرف غير قانوني،فلا يتصور أن تكون سيادة القانون كاملة إذا كان القضاء لا يستطيع أن يتصدى لقاعدة قانونية سواء صدرت عن سلطة التشريع أو عن سلطة تنفيذية لكي يعلن أنها مخالفة للدستور أو موافقة له.

ولا يتطلب تفعيل نظام الرقابة على دستورية القوانين وجود محكمة دستورية مستقلة،حيث يمكن عوضاً عن ذلك تفعيل نظام الرقابة من خلال التنظيم القضائي القائم، وفي عُمان على سبيل المثال يمكن تطبيق الرقابة على دستورية القوانين بتفعيلالهيئة غير الدائمة المنصوص عليها في قانون السلطة القضائية الصادر بالمرسوم السلطاني 90 / 99 الخاصة بالرقابة على الدستورية والفصل في تنازع الأحكام والاختصاص، وأن تكون هذه الهيئة القضائية هيئة دائمة وليس "حسب الحاجة" كما جاء في القانون،ويتم معها قياس نتائج القضايا الدستورية وكميتها لتقريرمدى الحاجةلتأسيس محكمة دستورية عليا مستقلة في البلاد مستقبلاً تحمي النظام الأساسي للدولة وتكون حجةً ومرجعاً للجميع، وفي هذه الممارسة لا شك تشخيص للحالة الدستوريةفي البلاد عموماً وتدريب لكادر القضاء الدستوري الوطني ومعرفة مدى كفاءته،كما أتطلع لأن تبادر الهيئة البرلمانية إلى المساهمة في نشر ثقافة الديمقراطية والمشاركة السياسية الصحيحة في المجتمع العماني الشاب، وتقديم توعية وطنية ميدانية حول العمل البرلماني، فقليل هم النّاس الذين يعلمون بعض مهام واختصاصات الهيئة البرلمانية في بلادهم، وكثير هم الذين لا يعرفون مجرد أين تقع هذه المؤسسة، ومن هم أعضاؤها وشروط عضويتهم فيها، وما هي مكانتها في النظام السياسي العماني، وغير ذلك من الأمور التي تبدو بديهية في إطار التواصل والشفافية بين المواطن والمؤسسات الرسمية في البلاد.

وأن يقوم المجلس ببحث مستقبل الجاليات والعمالة الموجودة في السلطنةوتحديد حقوقها وواجباتها،ومراقبة تدفقها الهائل وتقليص عددها "45% من إجمالي السكان وأكثر من 62% من سكان العاصمة مسقط " والسماح بقدوم الكفاءات التي تضيف قيمة حقيقية للمجتمع منها، والخشية أن تشكل هذه الجالياتفي المستقبل ضغطاً سياسياً على الدولة العمانية بأن تطالب بحقوق أو بمساواة معينة مدعومة بمنظمات حقوقية دولية،وتواجه الدولة عند ذلك صعوبةفي كيفية تفاديها كما حصل في بلدان أخرى حول العالم خاصة وأن هذه الجاليات أصبحت تشكل ضغطاً على الاقتصاد المحلي الضعيف أصلاً،إضافة إلى ممارسة التجارة المستترةالتي تعد سوساًينخر في جسد اقتصادنا الوطني.

وأن يفتح المجلس ملفاً دائماًلمشكلةللباحثين عن عمل وإيجاد حلول وبدائل للتخفيف منها، من هذه الحلول مثلاًأن تفتح مراكز وطنية كبرىلتدريب الشباب والشابات ومن ثمّ عملهم بها، تحوي ورشاً في تخصصات ومهن مختلفة بالتنسيق مع القوات المسلحة، وتخصص لهمأسواقاً حرة في المحافظات لدعم المجهود الوطني، ويظل المتدرب منتسباً لهذه المراكز إلى أن يقدم ما يثبت حصوله على عمل آخر، أو قدرته على تشغيل مشروع خاص به أوبالشراكة مع مواطن، عندها يستحق المتدرب دعماًمالياً لمشروعهمع متابعة لنشاطه مدة خمس سنوات على الأقل، هذا الموضوع وموضوع الجاليات قضايا ملحّة وقنابل قابلة للتأزموالانفجارفي أيّ وقت إذا لم يتمالتعامل معها والسيطرة عليها مبكراً.

أخيراً أتطلع لأن يجري المجلسدراسة واقعية حول مشاركة المرأة العمانية في الحياة السياسية عموماً،واقتراح بدائل عملية قابلة للتطبيق تساعد على انضمامها لعضوية مجلس الشورى، مع الأخذ في الاعتبار أنّ المرأة متواجدةفعلاً في القرار السياسي ومتواجدةبكثافة في المؤسسات الحكومية بنسبة تزيد عن47% وفي مجلس عمان 20% وأكثر من 22% في القطاع الخاص حسب بيانات المركز الوطني للإحصاء والمعلومات لعام 2015م.

تعليق عبر الفيس بوك