قراءة في واقع انتخابات مجلس الشورى

د. محمد العريمي

كفاني الدكتور سيف المعمري في مقاله الأخير بعنوان "قراءة استباقية في نتائج انتخابات الشورى"، والمنشور بتاريخ 25 أكتوبر 2015، أي في اليوم التي أجريت فيه انتخابات مجلس الشورى في دورته الثامنة، كثيراً من النقاط التي يمكن الإشارة إليها، ذلك أنّه قد أشار إلى توقّعات مهمّة تحقق كثير منها لعل من بينها: تمكّن مجموعة من الأعضاء السابقين من الوصول إلى المجلس مرة أخرى، نتيجة لفاعليتها خلال الدورة الماضية، تمكن ممثلو ما يسمى بـ "التكتلات الانتخابية"، أو مرشحو "التوافق" من الوصول إلى المجلس؛ تمكّن بعض مرشحي المجموعات التجارية من الوصول إلى المجلس، عدم تمكّن المُرشحات النساء من الوصول إلى المجلس إلا إذا حدثت مفاجآت على نطاق ضيق، محدوديّة فرص المرشحين من ذوي المؤهلات العلمية العليا (حملة الدكتوراه والماجستير) في الحصول على عدد كبير من المقاعد.

وبرأيي أن توقّعات الدكتور سيف وهو باحث متخصص ومشتغل على قضايا المواطنة وما يتعلّق بها من عناوين فرعيّة كانت توقّعات صائبة إلى حدّ كبير، واستندت إلى مُعطيات مهمّة تناولها الباحث في مقالات ونشرات سابقة للانتخابات لعل من أبرزها مجلة الشورى التي تزامن صدورها مع الفترة التي سبقت إجراء الانتخابات، وأراني أتّفق كثيراً مع تلك التوقّعات، ولهذا (ولظروف المساحة المتاحة) فلن أركّز على بعضها كثيراً، وسأحاول تجاوزها إلى ملاحظات وقراءات أخرى لعل من بينها:

- أشارت الإحصائيات إلى أنّ نسبة المشاركة في انتخابات هذه الدورة وصلت إلى 56.66%، وبرأيي أنّ هذه نسبة قد تعدّ مرتفعة قياساً على نسب المشاركة في بعض الدول العربيّة التي سبقتنا في هذا المجال، ولكن من الصعوبة أن نعزيها إلى زيادة الوعي الانتخابي في ظلّ عدم وجود بيانات تفصيليّة عن الفئات العمريّة للمشاركين، وفي ظلّ ما رأيناه أو سمعنا عنه من (حشد) كبير للناخبين مارسه بعض المرشحين وطال كبار السّن بالأخص.

- ملاحظة أخرى كذلك تمثّلت في عدم توازي الكتل الانتخابيّة ونسب المصوّتين في بعض المحافظات مع عدد سكّان تلك المحافظات، فمحافظة مثل مسقط التي يبلغ عدد سكّانها العمانيّين (483.649) بلغت الكتلة الانتخابية فيها (87183)، صوّت منهم (29632) فقط، بل إن ولاية كالسّيب تجاوز عدد سكّانها العمانيّون (213) ألف نسمة لم يذهب للتصويت فيها سوى (5777) من جملة (23588) يشكّلون الكتلة الانتخابيّة بها، بينما بلغ عدد المصوّتين بالعامرات التي تجاوز عدد سكانها العمانيّون (53) ألفاً، وكتلتها الانتخابية (9176) حوالي (3268) ناخباً فقط، بينما كان العدد في بوشر التي تجاوز عدد سكّانها العمانيّين 85 ألف نسمة، (3755) ناخباً فقط من جملة (11248) يحق لهم الانتخاب.

وبرأيي أنّ السبب في هذا التباين الكبير بين أعداد السّكان في ولايات مسقط، والكتل الانتخابيّة قد يعود إلى أنّ جزءاً لابأس به من سكّان هذه الولايات هم بالأصل ينحدرون من ولايات أخرى في محافظات السلطنة المختلفة، وهذا يطرح تساؤلات مهمّة حول الهجرة الداخليّة المتنامية إلى مسقط، ومدى توزيع الخدمات على المحافظات، ومدى تأثير عدم قيام هؤلاء بممارسة الحق الانتخابي في الاستحقاقات المختلفة بهذه الولايات بدلاً من ولاياتهم الأصليّة على حقوقهم ومطالباتهم المختلفة في الولايات التي يقطنونها في الوقت الحالي، فكيف لمواطن مستقرّ مثلاً في العامرات أو مطرح أو بوشر أن ينتخب أعضاء المجالس البلديّة في ولايته الأصليّة التي قد لا يذهب إليها إلا في المناسبات، بينما لا يقوم بذلك في الولاية التي استقرّ بها منذ سنوات مع أن الأمر يتعلّق بخدمات ينشدها ويبحث عنها ويطالب بها!!

كما أنّ قيام حوالي 31% فقط بالتصويت في ولايات محافظة مسقط من جملة الكتلة الانتخابيّة بالمحافظة أمر يطرح تساؤلات مختلفة حول أسباب انخفاض هذه النسبة في محافظة تعدّ عاصمة البلاد، وتتمتّع بتوافر وسائل التوعية المختلفة، وبتواجد معظم المؤسسات التعليميّة العليا، ووسائل الإعلام، ومؤسّسات المجتمع المدني، وبارتفاع مستويات المعيشة والتعليم مقارنة بالمحافظات الأخرى!

ولو ذهبنا لمحافظات أخرى لوجدنا الأمر يختلف تماماً، ففي محافظة ظفار نجد أن عدد الذين قاموا بالتصويت (46459) من جملة (67512) وهي نسبة مرتفعة تصل لحوالي 69%، بينما سجّلت محافظة الوسطى نسبة مشاركة بلغت حوالي 80% حيث شارك في التصويت 7871 ناخباً من جملة 9855، وإذا ما سلمنا بوجود وعي انتخابي جيّد في محافظة ظفار تمثّل في اختيار أعضاء يمثّلون كتلاً انتخابيّة معيّنة بناء على معايير وضعت سلفاً، فإنّ هناك عوامل أخرى قد دفعت إلى ارتفاع هذه النسبة لعل من بينها الحشد القائم على القبليّة وبالأخص في الوسطى، والأمر ذاته في جنوب الشرقيّة التي بلغت نسبة المشاركة بها حوالي 58%.

- أثبتت نتائج الانتخابات أنّ القبليّة والمال السياسي ما زال يؤثّر بشكل كبير على نتائج الانتخابات، والدّليل هو إعادة انتخاب أعضاء لم يقدّموا الكثير خلال الفترة السابقة، ولم يكونوا عند مستوى الطّموح، ولكنّهم احتفظوا بمقاعدهم في هذه الدّورة مستغلّين إمكاناتهم المادّيّة التي سمحت لهم بالحصول على أصوات من هنا وهناك، وكذلك القاعدة القبليّة التي ينتمون إليها.

- أثبتت النتائج كذلك أنّ المجتمع ما زال يبحث عن عضو الخدمات، وأنّ الرقابة والتشريع هي مفاهيم لا أهمية قصوى لها لدى شريحة كبيرة من الناخبين، والدّليل على ذلك انتخاب بعض الأعضاء بسبب قيامهم ببعض الخدمات البلديّة كبناء المساجد أو المجالس العامّة أو دعم بعض المشروعات المجتمعيّة، كذلك فإنّ البعض من المرشّحين تأثر سلباً بهذا الأمر من حيث استياء جزء من الكتلة الانتخابية في ولايته من جرّاء عدم مساهمته المجتمعيّة بشكل واضح.

- أثبتت النتائج كذلك أن الشهادات العليا والمستوى الثقافي للمترشّح لا أهمّيّة كبرى له في بعض المحافظات والولايات ما لم يكن لديه إمكانات مادّيّة، أو كتلة قبليّة أو شبابيّة تسانده وتروّج له، والدليل أنّ بعض المترشحين في بعض الولايات حصدوا أصوات تقل عن 10% من أصوات أعضاء آخرين برغم الفرق الشاسع في المستويات الفكريّة والمعرفيّة بينهما!!

- وجود تكتّلات شبابيّة داعمة لفكرة التغيير أو الدّفع بالمرشّح صاحب الإمكانات الفكريّة العالية أثبتت نجاحها في عدد من الولايات كبديّة، والرستاق، وإزكي، بعكس ولايات أخرى لم يحصد فيها مرشحون محسوبون على هذه الفئة على الأصوات الكافية بسبب عدم وجود الكتلة الداعمة والمؤثّرة.

- وإذا ما أتينا إلى مشاركة المرأة العمانية كمرشّحة في هذه الانتخابات فقد كانت النتائج مخيّبة للآمال كما في الدّورة السّابقة، ولم تحصد المرأة سوى مقعد واحد فقط ذهب لنفس العضوة السابقة، ولعلّ السبب في ذلك يعود إلى عدّة عوامل متشابكة لعلّ من بينها نظرة قطاع من المجتمع تجاه دور المرأة وترشّحها، وعدم ترشّح نساء لهنّ دور قيادي ومجتمعي مؤثر في مقابل أن عددا من المترشّحات الحاليّات لسن بذلك التأثير المجتمعيّ المهم، كما أنّ بعضهنّ ترشّحن في ولايات بعينها كالسيب وبوشر اللتين ترشّح في كلّ منهما ثلاثة نساء ممّا قلّل من فرص وصول بعضهنّ، إضافة إلى ضعف توافر وسائل التأثير والدّعاية والإمكانات كتلك التي يمتلكها الرجل.

برأيي أن الطريق نحو عمليّة انتخابيّة ما زال طويلاً، وأنّ المشاركة الإيجابية ترتبط بمدى فهم واقتناع شريحة عريضة من المجتمع بأهمّيّة الدور الذي يمارسه المجلس، وهو أمر يحتاج الوصول إليه خطوات مهمّة لعل من بينها تخلّص المواطن من ثقافة الدولة الرعوية التي توفر له كافة الخدمات دون الشعور الحقيقي باللجوء لدور مؤسسات أخرى، وتفعيل المجالس الطلابية؛ والبلدية بحيث تتعدى الأدوار الاستشارية، فأول درجة في سلم العملية الانتخابية تأتي من خلال المجالس الطلابية التي تتيح للطالب المشاركة في وضع بعض السياسات الخاصة بالعملية التعليمية، كذلك فإنّه متى ما اقتنع المواطن بوجود تغيير إيجابي في حياته من خلال دور المجالس البلدية؛ فسيقبل حتماً على الخطوة الانتخابية التي تليها والمتمثّلة في مجلس الشورى، وهذا يعني أنّه من المهم في المرحلة القادمة أن تتنازل الحكومة عن بعض صلاحياتها البلدية لصالح المجالس البلدية كخطوة أولى ومهمة نحو ثقافة انتخاب مستقبلية ناجحة، بحيث يشعر المواطن بأنّ صوته قد يحدث التغيير، وبالتالي لا يتعامل مع انتخابات الشورى على أنّها غير مؤثّرة فيقاطع، أو أنّها مجرّد (فزعة) قبليّة، أو فرصة لكسب بعض المبالغ.

تعليق عبر الفيس بوك