السياسة الخارجية في سلطنة عُمان ولبنان.. قراءة تحليلية في مسارات متباينة

 

 

جان يعقوب جبور

مكَّنتني إقامتي في سلطنة عُمان، بلد الأمن والأمان والسلام والمحبة، من أن أضع بين أيديكم هذه المقاربة وكيف أنَّ السياسة الخارجية في أي بلد تستمد قوتها واستمراريتها من استقراره وثقته بنفسه والآخرين محليًا وإقليميًا ودوليًا.

وتُعدّ مقارنة توجهات السياسة الخارجية بين الجمهورية اللبنانية وسلطنة عُمان مدخلًا مُهمًا لفهم اختلاف النماذج الدبلوماسية في المنطقة العربية، ولا سيما بين دولتين تتباينان في بنيتهما السياسية واستقرار مؤسساتهما وقدرتهما على صياغة قرارات استراتيجية متماسكة. وفي حين يواجه لبنان تحديات داخلية تنعكس مباشرة على موقعه الخارجي، تمكّنت عُمان من ترسيخ نهج دبلوماسي ثابت منحها حضورًا فاعلًا ودورًا توافقيًا على المستوى الإقليمي والدولي.

وعند الحديث عن تأثير البنية السياسية على القرار الخارجي، يُظهر الواقع اللبناني أن السياسة الخارجية تتأثر بوضوح بالانقسام السياسي الداخلي وبالتجاذبات الطائفية التي تُضعف إمكانية إنتاج موقف خارجي موحّد. وقد أدى هذا الواقع إلى تشتت المقاربات الدبلوماسية وتذبذب العلاقات مع عدد من الدول العربية والغربية، فضلًا عن ارتباطات متشابكة مع القوى الإقليمية. وفي ظل التحديات الاقتصادية والمؤسساتية، أصبح الفعل الخارجي للبنان محدودًا وأكثر ميلًا إلى التفاعل مع التطورات بدل المبادرة. في المقابل، تستند سلطنة عُمان إلى مؤسسات مستقرة وقرار مركزي موحّد، ما سمح بصياغة سياسة خارجية متسقة عبر العقود. ويتسم النهج العُماني بالاعتدال والابتعاد عن المحاور، إضافة إلى الالتزام بمبادئ عدم التدخل واحترام سيادة الدول، وهو ما شكّل أسسًا ثابتة للدبلوماسية العُمانية الحديثة.

أما سلطنة عُمان فقد اعتمدت منذ بدايات النهضة الحديثة سياسة خارجية قائمة على الحياد الإيجابي وبناء الجسور بين الأطراف المتنازعة. وقد أهّلها ذلك للقيام بدور الوسيط في ملفات حساسة، أبرزها الحوار السعودي- اليمني والمفاوضات المرتبطة بالملف النووي الإيراني. وتتميز الدبلوماسية العُمانية بأنها هادئة، تراكم الثقة على المدى الطويل وتُدار غالبًا بعيدًا عن الضوضاء الإعلامية. أما لبنان، فعلى الرغم من امتلاكه موقعًا جغرافيًا مهمًا وثقلًا معنويًا وثقافيًا في محيطه، فإنه يواجه صعوبات في تحويل هذا الرصيد إلى نفوذ دبلوماسي فعّال. وتظل علاقاته الخارجية مرهونة بالظروف الداخلية، ما يحدّ من قدرته على أداء أدوار إقليمية مؤثرة.

وتكشف التجربة العُمانية أن الاستقرار السياسي الداخلي شرط أساسي لفاعلية السياسة الخارجية؛ فوضوح القرار السيادي في مسقط مكّنها من تبني مواقف متزنة وحيازة ثقة الأطراف الدولية. وعلى النقيض، يؤثر التعدد السياسي اللبناني وغياب الرؤية الموحدة على قدرته في الحفاظ على علاقات مستقرة أو تبني سياسات مبادرة.

وفي الختام.. يتبيّن من المقارنة بين لبنان وسلطنة عُمان أن اختلاف البيئة السياسية والقدرات المؤسسية يفضي إلى تباين واضح في الأدوات الدبلوماسية ونتائجها؛ ففي حين يواصل لبنان البحث عن استعادة التوازن الداخلي بما يتيح له صياغة سياسة خارجية مستقلة وفعّالة، تكرّس سلطنة عُمان موقعها كدولة ذات نهج ثابت وحضور موثوق في الساحتين الإقليمية والدولية. وتُؤكد هذه المعادلة أنَّ السياسة الخارجية، مهما اتسعت آفاقها، تبقى انعكاسًا مباشرًا لصلابة الداخل واستقراره.

السؤال الذي يبقى مُحيِّرًا لمعظم اللبنانيين: في أي زمن أو عهد أو قرن سنصل إلى سياسة خارجية لبنانية تُراعي الدولة بدلًا من الأحزاب أو الأفراد، لنصل إلى دبلوماسية صادقة وشفافة تحظى بثقة اللبنانيين والخارج كما هو الحال في سلطنة عُمان؟

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة

z