البرواني.. مسيرة كفاح وعطاء تنطق بـ"أصالة" العماني الحصيف

رثاء

الرُّؤية - حمود الطوقي

كنتَ سعيدًا، وعشتَ سعيدا، وفارقتنا سعيدًا.. نسأل الله أن يتغمَّدك برحمته، فقد كنت أخا فاضلا، ورجل أعمال قلَّ نظيرُك.

فرجل الأعمال الشيخ سعيد بن محمد بن سالم بن جميع البرواني، الذي فارق الحياة أمس، عن عمر يناهز الستين عاما، كان واحدًا من أبرز المساهمين في بناء الوطن بجده واجتهاده، حيث كان مثالا للمواطن العُماني الحقيقي الذي يعشق التضحيات من أجل رفعة هذا الوطن المعطاء.

البرواني من مواليد العام 1954، ولد بزنجبار، من سلالة بيت عريق عرف بالعلم والأخلاق وحب العمل وترعرع في كنف أسرة عُرفت بالتواضع والأخلاق وحب الآخير.. وانتقل مع والده بعد ذلك إلى جمهوربة بوروندي لتتخذ العائلة مدينة "متاهوا" مقرًّا؛ جنبا إلى جنب مع الأسر العمانية التي كانت تسكن تلك المدينة في ذلك الوقت.

وفي العام 1973، لبَّى الشاب سعيد الندى للعودة إلى أرض الوطن؛ حيث تتنطره ولاية القابل وبلدة الدريز لكي يضع بصمته في البناء والعطاء.. وعندما استقرَّت به الحال في عُمان عمل بميناء السلطان قابوس في نقل البضائع، إلا أن نظرته وطموحاته كانت أكبر بكثير من العمل البسيط، ظلت تلك الطموحات تراوده وهو يتنقل من شارع إلى آخر ويجوب العاصمة مسقط التي كانت خاوية آنذاك من عوامل التنمية، حاملا بضائع لتجار سوق مطرح.

شاءت الأقدار أن يخسر الشاب تعبًا تكبده وهو في بداية مشواره، عندما احترق منزله الصغير بالكامل بوادي عدي.. ولأنه كان ذا خلق وسمعة طيبة، فقد جمع له أصحاب القلوب البيضاء تبرعات لتساعده لكي يخرج من أزمته.. ولم يستسلم هو، بل بدأ يفكر في أعمال جديدة تساعده على تكملة المشوار. وقد رأى بنظرته الثاقبة أن أعمال الصيانة مهمة لأن كل العاملين من الوافدين، مستلهما هذه الفكرة بعد أن احترق منزله، فقام في نهاية السبعينيات بتأسيس أول شركة له يديرها بنفسه في مجال الصيانة ومقرها روي. ومن خلال هذه الشركة، كان يُشرف بنفسه وينتقل لمتابعة أعماله، ونجح في أن يصنع لنفسه اسما في هذا المجال؛ حيث كان ينافس العمالة الوافدة ويزاحمها حتى تمكن من الحصول على عقود من بعض المؤسسات. بعدها فكر في التوسع لينشئ شركة سعيد البرواني للمقاولات، وأنشأ في البداية مصنعا للطابوق لتكون مكملا لمشروعه الجديد.

بدأ اسم سعيد البرواني يلمع، وساهم في بناء العديد من المباني السكنية بسعر في متناول الجميع.

ومن هنا.. وضع البرواني إستراتيجية طموحة لمساعدة الشباب العماني خاصة حديثي التخرج والزواج، وقام ببناء مجمعات سكنية متكاملة وفلل بمواصفات عالية، وبعد تجهيزها قام بطرحها للبيع بفوائد بسيطة جدًّا.. ونجح في تنفيذ خطته واستفاد منه المئات من الشباب الذين امتلكوا فلل ومنازل بمساهمات بسيطة، وكان في كثير من الأحيان يغض النظر عن المتعسرين.

وفي التسعينيات، لمع اسم سعيد البرواني كواحد من أبرز رجال الأعمال، وبدأت المناقصات الحكومية تطرق مؤسسته. وأراد البرواني أن يوسع من تجارته فأسس قسما جديدا "البرواني ريدمكس"، والذي أصبح واحدا من أهم شركات المقاولات في السلطنة ليحفر اسمه في ذاكرة العمانيين عندما يرون شاحناته وكساراته تجوب مختلف بقاع عمان لتقدم خدمات في البناء والتعمير.

... رحمك الله يا سعيد، رحمك الله يا سعيد.

تعليق عبر الفيس بوك