بين أوراق التكامل العربي 2 -2

عبيدلي العبيدلي

خصص اليوم الثاني الثلاثاء الموافق 1 سبتمبر 2015، لمناقشة ورقتي:

1. انتقال عناصر الإنتاج والتكامل الاقتصادي العربي، من إعداد د. مجدي صبحي.

2. واقع الفساد كأحد مسببات التدهور الاقتصادي والاحتقان الاجتماعي والآليات الممكنة لمكافحته في الدول العربية، من إعداد د. محمد حركات.

يستهل صبحي ورقته بتساؤل يدور "حول مدى إمكانية الركون لانتقال عناصر الإنتاج (العمل ورأس المال) كمدخل للتكامل الاقتصادي العربي، (مشيرا) إلى أن فكرة انتقال عناصر الإنتاج طرحت نفسها بقوة بعد تصحيح أسعار النفط في منتصف السبعينيات من القرن الماضي، مع تراكم الفوائض البترو دولارية في الدول النفطيّة العربية". ويستفيد صبحي من هذه الأرضية كي يثير تساؤلا آخر، أكثر شموليّة يقول فيه "هل كان بالفعل هذا الانتقال يمثل طريقا أو مدخلا بديلا للتكامل عن مدخل تحرير التجارة الذي اختطته تجربة مثل تجربة التكامل الاقتصادي الأوربي مثلا؟ وفي ضوء التجربة الواقعيّة يتم طرح سؤال مكمل هو: هل يصح الاستمرار في التعويل على هذا المدخل لتحقيق التكامل الاقتصادي العربي؟"

ولا يترك صبحي قارئه حائرًا فنجده يسارع إلى التأكيد على أن "توسيع النموذج المبسط لانتقال عناصر الإنتاج، لا يغير من الرسالة الأساسية، فالنقطة الرئيسية هي أنّ التجارة في عناصر الإنتاج، في حدود الاقتصاد البحت، هي إلى حد كبير مشابهة للتجارة في السلع، فهي تحدث لنفس الأسباب وتنتج نتائج مشابهة أيضًا".

وتكتظ الدراسة بالأرقام الإحصائية التي ترصد أول عنصر من عناصر الانتقال والذي هو "حركة انتقال العمالة، (التي) شهدت معدلات نمو قياسية حتى بالمستويات العالمية. فقد بلغ رصيد المهاجرين في الشرق الأوسط في عام 2010 ما يقدر بنحو 26.6 مليون مهاجر (نحو 13.5% من إجمالي رصيد المهاجرين في العالم). وقد شهد الإقليم زيادة قدرها 4.5 مليون مهاجر، مقارنة بالرصيد المسجل في عام 2005. وبهذا استمر الشرق الأوسط يمثل واحدا من أكثر الأٌقاليم المستقبلة للمهاجرين سرعة في النمو، مع متوسط معدل نمو سنوي لرصيد الهجرة يصل إلى 3.8%. وبات المهاجرون يمثلون نحو 11.9% من جملة التعداد السكاني الإجمالي في الإقليم. ولكن ينبغي التحفظ بالقول إن هذا الرصيد يشمل الهجرات القسرية التي شهدها الإقليم وليس الهجرة بغرض العمل فقط، مثل الهجرة العراقية بعد عام 2003 على نحو خاص".

وتتناول الدراسة المشكلات التي ولدها الانتقال البيني لليد العاملة العربية إلى دول مجلس التعاون الخليجي، ويستشهد المؤلف هنا بمقتطف من دراسة قام بها أنطون زحلان ينفي فيها أن "تكون هجرة العمالة نقطة الانطلاق المرغوبة أكثر في اتجاه التكامل.. بل وربما تكون الهجرة أيضا نقطة انطلاق ضعيفة، خاصة حينما يؤخذ في الاعتبار الحساسية السياسية للدول النفطية إلى جانب توفر مدى واسع للإحلال محل العمالة العربية بعمالة من جنسيات أخرى. ويبدو من الجلي، أنه بدون بذل جهود ترسخ من التكامل الاقتصادي الإقليمي على أساس الكفاءة وتحقيق المصالح المشتركة، فإنّ التكامل الناجم عن هجرة العمالة سوف يبقى من جهة أخرى أمرًا شاذا في إقليم مجزأ".

وبعد تناوله مسألة انتقال اليد العاملة، يتحول مجدي نحو "واقع الاستثمارات العربية البينية، التي رغم ضآلة حجمها إلا أن حركة الاستثمار البيني شهدت تطورا هائلا من حيث الحجم على مر الزمن. فقد بلغ الرصيد التراكمي للاستثمارات العربية البينية خلال الفترة 1985-2000 حوالي 15.45 مليار دولار". لكن لا بد من التوقف هنا عند ظاهرة جديرة بالملاحظة وهي، كما تتحدث الورقة، "تركز الاستثمارات العربية البينية في قطاع الخدمات، الذي يدل على طبيعة المستثمر العربي، الذي يميل الى الاستثمار في قطاع العقارات والأوراق المالية بعيداً عـن قطاعات الإنتاج الحقيقي".

أما ورقة حركات، فقد سعت من أجل الإجابة "عن مجموعة من الأسئلة المحورية، من خلال طرح رؤية متكاملة وقيمية لمتطلبات تجاوز دولة الريع والفساد إلى بناء دولة الإنتاج التي تحكمها مبادئ الحوكمة الديموقراطية واقتصاد المعرفة. كيف نفسّر تنامي الفساد في الدولالعربية قاطبة وفشلها في محاربته؟ما هي أسبابه وكلفته الاقتصادية والاجتماعية، وكيف يمكن تقوية القدرات الاستراتيجية والمؤسساتيةللدولة ولأجهزة الحوكمة في مواجهة الفساد وتحقيق التنمية المستدامة، كيف يمكن لأجهزة الحوكمة أن تساهم في الحد من الفساد؟ما هي آثاره على التدهور الاقتصادي والاحتقان الاجتماعي عندما نلمس فشل هذه الدول في خلق فرص الشغل للشباب الذين يعانونمن ويلات الارتفاع المهول في البطالة؟"

ويشير فرحات إلى علاقة الترابط الوثيقة بين "الفساد واحتكار السلطة وهيمنة السلطة التقديرية في اتخاذ القرار زيادة على غياب المسؤوليةوالمساءلة". ويرسم فرحات دائرة متكاملة للفساد مؤكدا على استحالة تجاوزها ما لم يتم "تبني مقاربة مجدّدة للتنمية تعتمد التخطيط والتنظيم والتقييم".

ويبرز حركات مجموعة من الظواهر المهمة التي ترافق تفشي الفساد في البلاد العربية مثل "تنامي مؤشرات الفساد بعد ثورات (الربيع العربي)، وضعف البرلمانات العربية في بناء مشروع قومي لمكافحة الفساد"، ثمّ ينتقل من ذلك كي يرفع مجموعة من التوصيات التي يعتقد أنّها كفيلة "بمكافحة الفساد في البلدان العربية"، يذيلها بتوصية مهمة هي "أنسنة المناهج التعليمية في الجامعات والمدارس العليا لتستجيب لمتطلبات سوق الشغل دون التفريط في تكوين الشباب في مجال العلومالإنسانيّة. لكيلا يكونوا لقمة صاغرة في أيادي القوى الظلامية".

وبالانتهاء من مناقشة ورقة حركات، غادر المشاركون في الورشة الأولى أروقة الجامعة كي يتيحوا المجال أمام وفود ورش عمل أخرى تعالج موضوعات التكامل العربي من زوايا مختلفة مثل العلاقات الدوليّة وأخرى غيرها، تحضير للقاء العام الذي سينعقد في الأسبوع الأول من شهر ديسمبر المقبل.

تعليق عبر الفيس بوك