الرؤية - راشد البلوشي
تشتهر ولاية الحمراء بأنّها إحدى الوجهات السياحية في السلطنة بفضل ما تتميز به من مقومات سياحية جاذبة، علاوة على موقعها الجغرافي الفريد في شمال غرب الجبل الأخضر.
وفي ظل هذا التنوّع الثري فإنّ زيارة واحد إلى ولاية الحمراء لا تكفي للاطلاع على معالمها الحضارية والتاريخيّة فهي تجمع بين الجبل والسهل والماء والأشجار بشتى أنواعها؛ حيث المنازل الواقعة على سفوح الجبال والتي تعد واحدة من حكايات التاريخ العماني التليد. فالوصول إليها بطريقة تبدو وكأنك تتسلق الجبال، مرورا إلى مسفاة العبريين بجمالها الطبيعي الرائع، حيث المساء يودع معلن المغيب تاركًا نسمات الهواء العليل على سفوح الجبل، على أمل أن تحل الإنارة الحديثة مكانها عبر أعمدتها بين جنبات الشارع المؤدي إلى سفوح الجبال الذي تميز بمخططه السكني الحديث.
المكوث على سفوح مسفاة العبريين تعيد للنفس الارتياح والتنفس العميق، حين تشتم رائحة أشجار الجبل المتناثرة هنا وهناك، وبين الصخور المتنوّعة في صلابتها، والنظر إلى المدينة وما تحتويه من حداثة في العمران والحركة التجارية بعد المساء، تشكل خارطة سياحية رائعة، حيث تشهد ولاية الحمراء حركة تجارية غيرعادية خاصة أيام العطل الرسمية والإجازات الأسبوعية.
كانت الزيارة أيام عيد الفطر المبارك فقد تزيّنت الولاية بعودة أهلها وشبابها من محافظة مسقط كعودة الطيور المهاجرة إلى أوكارها، بعد قضاء أيام العمل.
وجبل شمس بارتفاعه الشاهق الذي يصل إلى حوالي 12 ألف قدم، قد لا يحتاج إلى خبرة في قيادة المركبة بمقدار ما تحتاج إلى التوقف عند كل ارتفاع لتنظر إلى المدينة وهي تحتضن الأسرار التاريخية والحضارية، وكلما ارتفعت تدغدغ وجناتك نسمات الهواء البارد، يزيح عنك عناء لهيب الصيف المسقطي، معتقدا بأنك في أحد الدول ذات الجو البارد، "قيل بأن تسمية جبل شمس بهذا الاسم ترجع إلى كونه أول بقعة مرتفعة تستقبل أشعة الشمس الصباحيّة وآخر ما تغيب عنها في المساء".
قضينا ساعات جميلة على سفح الجبل تغيرت عندها درجات الحرارة فوصلت إلى حد البرودة القارسة، خفنا على أنفسنا من تغير هذا الجو على أجسادنا، لم نتعود على مثل هذه الأجواء الباردة في في البلاد، حتى قلة حركة مسيرنا عبر أشجاره البرية التي تنمو بكثرة ومنها شجرة العلعلان، وشجرة العتم (الزيتون البري) إضافة إلى بعض النباتات الصغيرة والتي تعرف (بالشوع، والجعدة، ونبتة الضجع.
جبل شمس بطقسه الجميل يدفع الزائر لتمديد إقامته على سفوحه إلا أن ساعات العودة حانت لنكمل الزيارة إلى بقية قرى ولاية الحمراء، فقررنا العودة قبل الغروب.
أكملنا الزيارة إلى معالم ولاية الحمراء؛ حيث تمتلك عدداً من المعالم الأثرية الهامة التي تؤكد عراقتها التاريخية، أهمها: حصاة بن صلط، تلك الصخرة المحفور عليها كتابات ونقوش قديمة تشير إلى عصور غابرة وقلعة "روغان" في بلدة المسفاة والتي يرجع تاريخ إنشائها إلى ما قبل الإسلام، بلدة غول الواقعه غرب ولاية الحمراء هناك "حصن الفرس". وإلى جانب المواقع التاريخية الضاربة في أعماق الزمن، بهذه الولاية والتي تعتبر جانباً سياحياً مهماً، فهناك معالم سياحية أخرى أهمها : "بيت النعمة" الذي يعد تحفة معمارية بمقاييس عصره، وقرية "النخر" التي اشتهرت أجواؤها المعتدلة طوال أشهر الصيف وكذلك العديد من المغارات والكهوف.
وتعد الأفلاج من أهم المصادر المائية التي تعتمد عليها الزراعة في ولاية الحمراء، لكن مساحة واسعة من الأراضي الزراعية تعتمد على الآبار خاصة في منطقة وادي "الخور" وحين سؤالنا عمّا تنتجه الولاية من المنتجات الزراعية قيل لنا النخيل والليمون، والبرتقال والخضروات والبرسيم والأعلاف، بالإضافة إلى إن هناك ثروة حيوانية جيدة تتمثل في عدد من الأغنام والأبقار والماعز. وتنشر بعض الحرف والصناعات والفنون التقليدية. ولم يغب عن البال عملية استخراج السكر الأحمر، وماء الورد وعصير الليمون والمبسل والنشا التي تشتهر به الولاية.
وبالتوجه إلى بعض القرى الجبلية للولاية التي تتميز بطبيعة تضاريسية بالغة الوعورة، تتجلى المسيرة التنموية وعطاءاتها المتدفقة بالخير على هذه الأرض الطيبة.
وقبيل أن يودع المساء سماء ولاية الحمراء، معلنا يوما جديدا في حياتها، ودعنا الولاية تركت في ذاكرتنا عبق الماضي ورحيق الحاضر المزهر بعمرانه وحداثته، وبإنجاز العهد الزاهر الميمون لمولاي حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس المعظم - حفظه الله ورعاه- التي ستكون محفورة على جبين الزمان العماني، وشاهدة على مرّ العصور القادمة، ذكريات سيتذكرها الجيل الحالي والقادم، ناطقة بالشهادة الأمينة على المسار الحضاري لملحمة التحدي من أجل العطاء المخلص للوطن الغالي.