الهروب المبرر في قوارب الموت!

عبيدلي العبيدلي

يوم الأربعاء 26 أغسطس 2015، أفاد مصدر إعلامي أن "47 شخصا من المهاجرين غير الشرعيين لقوا حتفهم اختناقا وغرقا قبالة السواحل الليبية، مضيفا بأنّ نحو 400 شخص كانوا على متن أحد القارب لعبور البحر المتوسط بطريقة غير شرعيّة إلى أوروبا، مشيرًا إلى أنّ 30 مهاجرًا قتلوا اختناقًا على متن السفينة المزدحمة لأنّهم كانوا قريبين جدًا من المحرك واستنشقوا غازات العادم، قبل أن تعثر دورية تابعة لخفر السواحل السويدية تعمل في البحر المتوسط، على هذا القارب، وأنّ هناك 17 مهاجرًا آخر كانوا على متن زورق آخر قتلوا غرقًا حين انقلب بهم الزورق على مسافة 8 كلم من الساحل. وفقا لخفر السواحل".

تلك كانت رواية مأساوية تكرس الصور المتكررة التي باتت تشهدها الشواطئ الأوروبية للعرب الهاربين من جحيم الأوضاع المتردية التي تعيشها بلدانهم.

مراسلة الـ "بي بي سي"، دينا دمرادش تنقل معاناة حالة محزنة أخرى لهؤلاء العرب الذين شردتهم الحروب، تاركين وراءهم ما أمامهم وما خلفهم بحثا عن مكان آمن يلجأون إليه بعد أن فقدوا الأمن في بلدانهم، تحكي فيها قصة الأم العراقية "وعد" وهي تغالب تعبها وآلامها بحديث مازح تقول فيه "هذه الأرض ليست مثل بلادنا. ما كنا لنترك بغداد لولا إحساسنا بعدم الأمان."

في سوريا الوضع أسوأ مما نسمعه أو نقرأه، كما تقول دمرادش "فالعصابات لا تكتفي بأخذ ما تبقى لهم من مال ومتاع، بل تحتجز المهاجرين لحين دفع فدية لا تقل عن 300 يورو.

وللضحايا السوريين معاملة خاصة، فالعصابات "تستولي على جواز السفر السوري لبيعه لمهاجرين آخرين. تجارة رابحة، إذ أنّ الجواز يباع بما لا يقل عن ثلاثة آلاف دولار، والمشتري هو كل من يأمل في الحصول على حق لجوء في أوروبا".

وبطبيعة الحال، لم تعد مثل هذه الهجرة المتنامية ردة فعل عفوية فردية، إذ بات يركب مخاطرها مئات الآلاف من الناس، استجابة لرضوخ لا إرادي تفرضه مجموعة من الأسباب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية يلخصها رئيس الجمعية المغربية لدراسات وأبحاث الهجرة، جامعة محمد الخامس، الرباط، محمد الخشاني "في ثلاثة عوامل رئيسية: العوامل الاقتصادية، العوامل المحفزة وعوامل النداء".

وعلى المستوى الاقتصادي، يبرز الخشاني، في تناوله الحالة المغربية التي لا تشكل استثناء، مسألة البطالة المتفشيّة في الدول التي يضطر سكانها إلى اللجوء إلى تلك الهجرة، حيث تمس "البطالة عددا كبيرا من السكان وخاصة منهم الشباب والحاصلون على مؤهلات جامعية. وتقدر نسبة البطالة في المغرب على سبيل المثال بحوالي %12 وتبلغ 21% في المجال الحضري، وفي الجزائر تصل هذه النسبة إلى 23.7% حسب المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي و15% في تونس. هذا الضغط على سوق العمل يغذي النزوح إلى الهجرة خاصة في شكلها غير القانوني". ويربط الخشاني بين البطالة والفقر حين يعتبر أن "انعكاسات ظاهرة البطالة زيادة حجم الفقر وقد بلغت نسبة السكان الذين يعيشون تحت خط الفقر في المغرب مثلا ما يقرب من 14% وهذه النسبة كانت ستزداد كثيرا لولا التحويلات والاستثمارات التي يقوم بها المغاربة المقيمون في الخارج".

على صعيد آخر، وبشكل مستقل، يحاول الكاتب والمحلل الفرنسي ماثيو كويدر، أن يسلط الضوء على بعد جديد يقف وراء هذه الظاهرة في محاولته لتشخيص الحلول التي يمكن أن تساهم في الحد منها، فنجده في لقائه مع محمد كريشان من محطة "الجزيرة الفضائية" في برنامج "ما وراء الخبر"، يؤكد على أن "الحل يكمن في طريقة النظرة إلى هذا المشكل، إذا نظرنا إليه من طريقة اقتصادية أو سياسية فلن نصل إلى حل وكل الحلول كما قيل إلى حد الآن فشلت، أظن لأننا لم نطرح المشكل على ما هو، هذا المشكل ليس خارج الأشخاص هو داخل عقول الأشخاص هو داخل نفسيتهم، وما دام الشباب في جنوب حوض البحر الأبيض المتوسط يعتقد في صميمه أنّ هناك الخيرات وأنّ هناك الشغل وأنّ كل شيء مفتوح وكل شيء ممكن في شمال البحر الأبيض المتوسط فلن نصل إلى شيء".

أخطر ما تكتنفه هذه الهجرة التي باتت تعرف بأنّها "الهجرة غير الشرعية" كونها في تنام مستمر حتى لم تعد الدول الأوروبية، بكل الوسائل التي لجأت إليها قادرة على الوصول إلى حل ناجح يوقف "تدفق الأعداد الهائلة من المهاجرين نحو بلدانها، حيث وصل 225.000 من المهاجرين والمرشحين للجوء عبر البحر الأبيض المتوسط، هذا العام (2015)، ذلك ما كشف عنه تقرير صادر عن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، الذي تمكن من رصد "حوالى 340.000 مهاجر يتدفقون على حدود أوروبا، أي بضعف لثلاث مرات مقارنة بالعام الماضي (2014)، (منوها إلى أن) دول البلقان والتي أصبحت تعاني من هذه الظاهرة ستجتمع لتقدم مشروع خطة تحليلية، تتعلق بأوضاع المهاجرين الذين يعبرون صوب الشمال".

ويلخص الكاتب بوقانون استشرافه المتشائم بشأن إمكانية الوصول إلى حل ناجح، مؤكدا أنه لم يعد هناك من رادع أو حل يمكنه أن "يكبح موجات المهاجرين المتواصلة، بسبب استمرار الحرب في سوريا وفي العراق كما الحال المتأزم بليبيا وفي إفريقيا، كلها أسباب زادت من تدفق المهاجرين الذين فروا من الفقر ومآسي الحروب والمعاناة التي تركت فيهم، في أولئك المهاجرين جروح لا تندمل."

يضاف إلى تلك الأسباب تلك التجارة التي تحقق أرباحا خيالية لعصابات المهربين، التي وصلت، كما تشير لها تقديرات الدبلوماسيّة الأوروبيّة في مايو 2015، إلى "135 مليون يورو هو صافي المبلغ الذي يجمعه المهربون سنوياً... حيث يتراوح المبلغ لكل راكب بين 1800 و10000 يورو. وفي كاليه وحدها وصل صافي المبلغ إلى مليون ونصف يورو. إذاً من أجل قارب يحوي 500 شخص، يجني المهرب ما بين 500000 والمليون يورو".

عليه وفيما تواصل الأزمات، وما تولده من كوارث على الأرض، تعصف بالمجتمعات العربية تستمر قوارب الموت في نقل ركابها من اللاجئين إلى الهروب المبرر، وليس الهجرة غير الشرعية كما يحلو للكثيرين أنّ يصف تلك الظاهرة.

تعليق عبر الفيس بوك