شورى عُمانيَّة ومطالب بمشاركة مجتمعيَّة مختلفة

سارة البريكيَّة

تتَّجه السلطنة ومنذ شهور عديدة إلى أن تبدأ انتخابات مجلس الشورى المقبلة للفترة الثامنة بكل سهولة ويسر، ووسط توقعات بأن تسودها النجاحات المرسومة لها، في إطار ما تنظر له الحكومة من دور مهم ورئيسي لمجلس الشورى، كشريك فاعل في دعم مسيرة التنمية الوطنية الشاملة، ولا شك أنَّ هذا التكافل والاتحاد بين مؤسسات الدولة الحكومية...وغيرها من الجهات والقطاعات المختلفة، يكمل تنامي مستوى الأداء الحكومي والخدمي والمجتمي في السلطنة، ويعزز من اكتمال منظمومة دولة المؤسسات والقانون، التي تشهد منذ تولي مولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس -يحفظه الله ويرعاه- مقاليد الحكم في البلاد، تطورا وتقدما في مختلف المجالات، وتسير منذ ذلك التاريخ -وبفضل الفكر الثاقب والنير لجلالته يحفظه الله- في خط واضح يرسم ملامح التطور للبلاد حاضرا ومستقبلا، وبما يحفظ إرث الماضي وأصالته العريقة، وفق خطط وإستراتيجيات استهدفتْ منذ الخطوات الأولى لمسيرة النهضة المباركة، الارتقاء بالإنسان العماني فكرا وثقافة وعلما وعملا، وتحسين مستواه ومعيشته، وإجمالا الارتقاء بالحياة العمانية بشكلها المادي والمعنوي والترفيهي، في كل جوانبها المختلفة.

وفي هذا الإطار، نجد مجلس الشورى -ومنذ تأسيسه في العام 1990- قد خطا في اتجاه تحقيق الكثير من النتائج والرؤى والإستراتيجيات والاهداف التي رسمت له، وبات المجلس حاليا يلعب دورا محوريا ورئيسيا في الإسهام في خطط التنمية، وإبداء آرائه وأفكاره عليها من خلال أعضائه ولجانه؛ سواء ذلك على المدى القريب أو البعيد.

ووزارة الداخلية كونها الجهة المعنية بكل ما يتعلَّق بمجلس الشورى، ومعها كافة اللجان والمؤسسات الحكومية ذات العلاقة باختصاصات وأعمال المجلس، تمضي بكل عزيمة واقتدار وعلى قدم وساق، في استعداداتها للإعداد والتحضير للحدث البرلماني المنتظر، الذي من المؤمل أن يشهد إقبالا كبيرا، والذي من المؤمل أيضا أن يتسم بنمط مختلف، وبصورة تعكس ما وصلنا إليه من تطور وثقافة ومعرفة، متوقعين أن يكون الأعضاء الجدد ذوي فهم وكفاءات عقلانية وعلمية وثقافية جيدة، وأن يكونوا متجردين من حب الأنا والأهل والأقارب والأصدقاء.

ولا يمكن لأحد أن ينكر دور مجلس الشورى -منذ إعلان مولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم يحفظه الله ويرعاه، عن إنشائه في العيد الوطني العشرين المجيد- ولا يختلف على ذلك اثنان؛ فهو منذ إنشائه قد مرَّ بعدة محطات مهمة راعتْ التدرج والنمو المتوازن والمرسوم له؛ سواء في طرق اختيار أعضائه، أو في الصلاحيات والاختصاصات الممنوحة له، التي وصلت اليوم بحمدالله الى مستويات متقدمة حديثة تواكب تطور بلادنا وتقدمها.

وإذا كان المجلس وُجِد ليكون إحدى الركائز المهمة التي يعول عليها في عضد ومساعدة الحكومة في كل ما يهم المجتمع العُماني، وتقوية الأهداف والجهود المشتركة التي تدعم مقوماته الأساسية وقيمه الأصيلة، فإنَّ ما يشهده منذ سنوات قريبة من تطور في شروط الترشح لعضويته، أصبح نهجا مفرحا، وغدا هذا التفرد المتجدد حديث القاصي والداني، وأمرًا أشاد به المتابعون على اعتبار أنه إجراء محمود ينم عن إدراك الحكومة للمتغيرات التي تشهدها المنطقة، ومنذ أن كان الترشح قديما لعضوية مجلس الشورى، يتطلب أن يكون المترشح ليس بالضرورة متمتعا بمستوى علمي، وإنما الاكتفاء بأن يكون ملمًّا بالقراءة والكتابة وذا ثقافة بسيطة، فإنَّ اليوم أصبح من الشروط المهمة والواجبة أن يكون المترشح لعضوية المجلس يحمل مؤهلا دراسيا لا يقل عن دلوم التعليم العام أي الثانوية العامة، وهذا تطور شمل حتى صلاحيات المجلس واختصاصاته، وتعدى ذلك إلى أن أتاح لحملة الدبلوم والشهادات العليا، الفرصة للمشاركة بأن يكونوا أعضاء في مجلس الشورى، ولربما لاحقا أعضاء في مجلس الوزارء عندما سيتشرف أحدهم بنيل الثقة السامية ليكون وزيرا كما حدث منذ سنوات.

إنه ونظرا للجهود التي تبذلها الحكومة في أن تكون توجيهات جلالته -يحفظه الله ويرعاه- موضع التنفيذ، والناصة على أن تكون للمؤسسات البرلمانية في السلطنة مهمة تتمثل في مراجعة مشروعات القوانين والخطط التنموية الخمسية، والموازنات العامة للدولة التي تحيلها الحكومة إلى المجلس والمشاركة في إعدادها، قبل اتخاذ إجراءات اعتمادها واستصدارها في صورة تشريعات نافذة، فإننا نجد هنالك تسابقا محموما من عدد من فئات المجتمع للفوز بعضوية المجلس سواء بطرق مشروعة أو غير مشروعة، برغم التحذيرات والتوجيهات بضرورة العمل بما جاء في قرارات وزارة الداخلية من حيث التقيد بأماكن إقامة الناخب، ونجد مع هذا الهوس تجاوزًا لتلك التعليمات، وهو أن يقوم عدد من المترشحين للمجلس بشراء أصوات الناخبين في الولايات الأخرى، من أجل الفوز بالانتخابات في ولايته، وهذا ما جرى وسيجري، إذ كيف بمواطني ولاية ما يرشحون عضوا في ولاية أخرى تبعد فوق الستين كيلوا مترا فأكثر، وقبل أشهر على الانتخابات يأتي أو يذهب ذلك المترشح أو من ينوب عنه ويدعمه ويقف معه، إلى عدد من الولايات المجاورة، لجمع أكثر قدر ممكن من الولاءات من مواطنيها، وشراء أصواتهم بمبالغ مالية زهيدة، فتجده يعود لمسقط رأسه وولايته بعدد كبير من البطاقات الشخصية لمواطنين، ارتأوا أنَّ مبلغ عشرين ريالا أو أكثر، افضل لهم من إعطاء أصواتهم لشخص سيترشح عن ولايتهم. وفي النهاية لن يستفيدوا منه عندما يكون تحت قبة المجلس - على حد زعمهم.

حقيقة أنا هنا أقف موقف المحايدة وأطرح تساؤلا: لماذا يقدم المواطنون على ترشيح شخص ليس من ولايتهم؟ ما هي أسباب هذا التباعد والفجوة بين المترشح والناخب في الولاية الواحدة؟ إنَّ ما يجري في يوم الانتخابات وهو أن تذهب تلك الحافلات إلى مناطق وولايات مختلفة تقل أناسا من الجنسين إلى ولايات ومقر انتخاب ذلك الإنسان الذي وعدهم بأنه بعد ترشيحه سيوزع عليهم المكافأة التي وعدهم بها، ظاهرة مُقلقة ولها تداعيات ومحاذير كثيرة، وتنطوي عليها أمور مختلفة ومتعددة.

والتساؤل الذي يطرح نفسه: ما الذي يدفع بالمواطن إلى أن لا يثق في المترشح من ولايته، ويختار أن يرشح شخصًا في غير ولايته، وفي ولاية بعيدة جدًّا عن مقر الإقامة، وبمبلغ زهيد وبسيط: هل سبب ذلك هو انعدام الثقة في المترشح وعدم معرفته من قبل كافة أهالي الولاية، أم هل السبب في العنصرية مثلا وعدم اندماج وأهلية ذلك المترشح اجتماعيا، أم هل السبب هو انعدام العلاقات والتداخل والتفاعل بين المترشح والناخب في الولاية الواحدة؟

... إنَّ السلطنة وما تسعى إليه من أن تكون دولة رائدة في كافة المجالات -خاصة في مسيرة الشورى والمشاركة الشعبية- يفرض أن يتمتع عضو مجلس الشورى بثقافة كبيرة تساعده على أن يتعامل مع جميع أبناء ولايته بحيادية وبعدالة وحب كبيرين، بصرف النظر عن اللون والعرق والنسب والشكل والمكانة. وعليه ألا يجعل ما تقدم ذكره سببًا في التفاعل مع أناس وأشخاص بعينهم على حساب أشخاص آخرين لهم حق العمل من أجلهم والمطالبة بحقوقهم. وعليه كذلك أن يكون مع الجميع صغيرا وكبيرا، جاهلا ومتعلما، شيخا وضعيفا وقويا، متواضعا متفهما خدوما، فسيد القوم خادمهم، وخادم القوم من الممكن أن يكون سيدهم، كذلك على عضو المجلس أن يسعى لكسب محبة الجميع، وهذا الفعل بحد ذاته يحتاج من العضو احترام الكل والتواضع وعدم التكبر وسلامة قلبه ونقاء داخله، وأن يتمتع بصفاء سريرته وجوهره، وعندما يعمل بما ورد ذكره ستجده مرغوبا، وسيترك بهذا التصرف اثرا جميلا سيقود إلى أن يتم انتخابه مرة ومرتين. وبهذا سيكون أبناء الولاية الواحدة متحابين ومشجعين لبعضهم البعض.. فهل فعلا سيحقق عضو مجلس الشورى هذه المطالب؟

 

Sara_albreiki@hotmail.com

تعليق عبر الفيس بوك