ثقافة الندوات الحواريَّة لحل المعضلات المحليَّة

حَمَد العلوي

يَوْم الثلاثاء الماضي -الموافق 11 من أغسطس 2015م- تشرَّفتُ بحضور ندوة حوارية بمناسبة صدور مجلة "المتقاعد"؛ دعا إليها وأدارها الإعلامي حمود بن علي الطوقي، وحضر الندوة مدير عام صندوق التقاعد بالخدمة المدنية، وحاتم بن حمد الطائي، وعدد من الشخصيات ذات الاهتمام، كما حضر جانب من النقاش سعادة السيد سالم البوسعيدي وكيل وزارة الخدمة المدنية، وقد دار الحوار حول مستقبل المتقاعد من حيث استغلال خبراته التراكمية، وقدراته الذهنية؛ وذلك كاستمرار في خدمة الوطن، وكذلك حاجته للرعاية الاجتماعية والصحية والمعنوية وهو في وضع التقاعد، وخرج الحضور بمجموعة نقاط تخدم الجميع، إذا هي طُبِّقت في واقع الحال. وقد حفَّز في نفسي ذلك اللقاء، أن أطرح الفكرة الحوارية للنقاش العام؛ لأنَّ هناك الكثير من المواضيع الخدمية تحتاج إلى نقاشات حوارية موسَّعة وجادَّة؛ فليس مثل الحوارات العقلانية سيحل مشكلاتنا الإدارية مستعصية الحل نتيجة للبيروقراطية العقيمة، التي أصبحت تكبِّل أداءَ بعض الجهات الخدمية في الدولة لدرجة الشعور بالقهر والغبن أمامها.

لقد غرقتْ بعض الجهات الخدمية في مشكلات إدارية مقيتة، وعصفتْ بالإنتاجية وقيَّدتها عن التقدم، ألا وهو الإصرار على فرض سلطة الدولة وهيبتها والجباية القسرية أحياناً؛ وذلك دونما اعتبار إلى أصل المهمة الموكولة إلى تلك الجهة؛ فتجد رجال التنظير والرقابة على ثبات البيروقراطية، يستميتون في الدفاع عنها، حتى لا تتسلل فكرة تبتك بحصونهم وأسوارهم المانعة للتطور والتقدم، وقد لا يكون هذا هدفهم المعلن، ولكن الحرص الشديد على بقاء التقليد، وذلك يفرض عليهم تخوفاً وهمياً من المجهول البعيد، الذي لم يصل إلى علمهم بعد، فلو وصل إليهم وعرفوه بالدراسة والتجربة لما أحدث في نفوسهم هذا التخوف؛ لذلك لن يرفع الحرج عنهم إلا بتعويد النفس على تقبل الجديد من خارج دائرة المألوف. إذن لا بد من تبنِّي عقد الندوات الحوارية؛ وذلك برعاية لجان يشكلها ويشرف عليها المجلس الأعلى للتخطيط وبمشاركة لجان من مجلسي الدولة والشورى، وحضور ممثل عن الجهة مثار الحوار، ويكون دوره موضحاً وليس مدافعاً، وتعقد الندوات الحوارية العامة المفتوحة ويشارك فيها من يرغب من عامة الناس، وتدار على طريقة عصف الفكر، ومن ثم تستخرج عصارة الأفكار، فيؤمر بتطبيق العاجل منها، ويضع الباقي في خطة متدرجة للتطبيق المستقبلي، وتكرار هذه الحوارات بشكل دوري كل خمس سنوات أو عند الضرورة قبل ذلك.

لقد تأكَّد من المعايشة الفعلية أنَّه لا خروج من هذه الدوامة المغلقة التي فرضتها البيروقراطية المستحكمة، إلا بالخروج من دائرة الحفاظ على المألوف إلى فضاء التطوير والابتكار، والتجديد بما يخدم طالب الخدمة، ولا يضر بسيادة الدولة. والجهات الأكثر مدعاة للمراجعة، هي أعمال البلديات جميعها، وأعمال القوى العاملة، وأعمال التجارة والصناعة، وأعمال الزراعة والثروة السمكية، وأعمال موارد المياه والأفلاج والسدود، وأعمال السياحة، وأعمال الإسكان والعقار، وأعمال الطرق والمطارات والموانئ والنقل العام، والأعمال الخدمية في الشرطة، وأعمال الجامعات والتعليم العالي، وأعمال غرف التجارة والصناعة، ومواضيع الجمعيات الأهلية ودورها الخدمي، وموضوع التشغيل والإنتاج، وأسباب ضعف الأداء، وعدم الثبات الوظيفي...وغير ذلك الكثير من هموم الوطن والمواطن.

... إنَّ مواضيع كهذه تحتاج إلى جُرأة وإقدام، وإنَّ البحث عن حلول واختيار الأنسب منها، فيه مصلحة قومية عاجلة. وسيطلق العنان لكسر القيود التي تكبِّل العمل الوطني، وتنفِّر الناس من العمل الجاد والانتاج؛ وذلك نتيجة لتمسك الحكومة بسيادة القرار بصيغة الفرض الواجب الاتباع؛ ففي حين لو أشرك المواطن في تلك الصياغة، سيلتزم أدبيًّا ومعنويًّا بتنفيذه لها؛ كونه شاركَ بالفكرة في إعداده؛ لذلك سيتبنَّى العمل والحرص على إنجاحه، وسيشعر بالندم إن لم يحقق الهدف الذي توخَّاه يوم كان يطرح الفكرة في النقاش، هو أو من كان يمثله في الحوار. وبهذه الطريقة، سنضيِّق المسافة بين الدولة والمواطن، وشعور كهذا هو الذي خلق هذا التباعد في الرؤى، والإحباط في التكامل؛ فكلما ظلَّ كل طرف يفعل ما يريد دون مراعاة للطرف الآخر، تظل الدوامة تدور مكانها دون تقدم يذكر.

إنَّ المتمعِّن في خطب وتوجيهات صاحب الجلالة السلطان قابوس المعظم -حفظه الله ورعاه- يجد أنَّ تلك التوجيهات ظلَّت قائمة منذ أول يوم يتولى فيه جلالته مقاليد الأمور في البلاد وحتى اليوم؛ ففي أول كلمة ألقاها إلى الشعب في 23 يوليو 1970م، قال: "كان وطننا في الماضي ذا شهرة وقوة، وإن عمالنا باتحاد وتعاون سنعيد ماضينا مرة أخرى"، إذن جلالته لم يُوجِّه كلامه للحكومة وحدها؛ فلماذا هي تنفرد اليوم بكل شيء، ولا تعطي للمواطن إلاّ الوظيفة والعمل إن وجد، وتحتفظ لنفسها بالتخطيط والرأي والقرار، وقد ظل جلالته يذكر -وفي مواقف كثيرة- بأنَّ المواطن هدف التنمية ومحورها. إلا إذا ظن المسؤول أنه هو من يعمل متفردا بالسلطة، وعلى المواطن أن ينتظر إلى أن يُحقق له كل ذلك من غير جهد منه أو تعب، ولكن هذا سلوك مُخدِّر لا يحفز على المشاركة والتعاون. إذن، بالحوار والنقاش ستقف الدولة على مبتغاها من الأهداف، والدولة هنا تمثل الحكومة والشعب، وليس الحكومة وحدها.

safeway-78@hotmail.com

تعليق عبر الفيس بوك