الكتاب الذي لن أقرأه

أسماء عبد الله القطيبي

منذ فترة بسيطة وقع في يدي كتاب صغير الحجم يتحدّث عمّا يسميه مؤلفه (واقع الشباب المسلم وتحدياته)، ورغم أنّ الكتاب لأحد المؤلفين الشباب إلا أنّ أسلوب كتابته يوحي بأنّه قد كتب على يد أحد الأئمة السابقين مع إضافة لبعض المصطلحات الحديثة. وهذا الكتاب ليس استثناءً عن كتب كثيرة، لابد وأن كل واحد منّا قرأها، في المجال الديني، والتي لفرط تشابهها تكاد تكون نسخًا مكررة من بعضها البعض. حيث إنّ السمة التي تغلب عليها هي الأسلوب الوعظي والإرشادي، ففيها ينصب الكاتب نفسه واعظًا حكيماً، مشعراً القارئ بأنّ الخطأ الذي لا خلاص له إلا بإتباع الطريق الذي يفصّل الكاتب في شرحه. بل متهما تقصيره بأنّه سبب ضياع الأمة وهوانها، متغاضيا عن التعقيدات السياسية والاقتصادية التي لا ناقة للقارئ فيها ولاجمل.

ومن الأسباب التي تجعلني اتجنب قراءة مثل هذه الكتب وجود عبارات من قبيل (عجبًا لأولئك المساكين، هؤلاء المحرومين...إلخ)، والتي بلا شك تعد فوقية تقطع الصلة التي يفترض بالقارئ أن يستشعرها مع النص، فإن كان الكاتب يود بهذه الطريقة أن يُقنع (المقصر) بواجبه فإنّ الاحتمال الأكبر هو أنه سينفره. وإن كان يخاطب )الملتزم) فإنّه لا يحتاج إلى هذا الكم من المواعظ. هذا عدا مغالاة بعضهم في تطعيم المواعظ بآيات وعيد وتخويف مقتطعة من سياقاتها، ليتحول الكتاب إلى ما يشبه مجموعة خطب جمعة مكررة، لا تكاد تحدث تأثيراً يذكر.

يستخدم بعض الكتاب المنادين بالتجديد في الخطاب الديني، (نحن نرى، وبرأينا) والتي تجعلني أتساءل: هل هذه طريقة تضليل لإيهام القارئ بأنّ الكاتب أكثر علمًا ومعرفة مما يتصور؟، أم أنه أسلوب مباهاة يعتقد به الكاتب أن النص سيحظى باحترام أكبر؟ أم أن الغاية من هذا الأسلوب هي تمرير بعض الأمور باسم الدين لمصلحة سياسية؟ وأياً كان السبب فهذه الطريقة تشبه إلى حد كبير علاقة الرئيس بالمرؤوس. وهنا بين المتحدث باسم الرب وأحد عباده!
ومن الملاحظات المتكررة لهذه الكتب، تقديم الآخر على أنّه العدو دائمًا، والتقليل من أهمية إنجازاته وبيان القصور فيها، ودعوة الشباب لعدم الانبهار بالحضارات الأخرى وثقافاتها، وإذا تعمقنا في أسباب هذه الدعوة فسنجد أنها عائدة إلى تخوف هؤلاء من الثورة المعلوماتية التي تفقدهم القدرة على توجيه فكر الشباب إلى حيث يُريدون، كما أنها عائدة إلى قلة معرفة البعض منهم بالمصلحات الحديثة أو النظر إليها بسلبية وحكم مسبق يصنفها على أنها جزء من المؤامرة الوهمية التي تحاك ضد الإسلام وأهله. هذه الدعوة للانغلاق يقابلها -من باب التناقض- التأسف على أحوال الأمة وتأخرها، والتحسر على أمجاد الماضي وتاريخه العريق!
ولعل هذا الخطاب الديني التقليدي كان يصلح في أزمنة ماضية لمناسبته ظروف البيئة والمكان، ولعدم توفر البديل، أما في العصر الحالي حيث النقد فيه هو السمة البارزة، فإنّه يبدو ضعيفاً وغير مجدٍ. وبسبب تشعب أسئلة الإنسان المعاصر وتعقدها فيجب إيجاد طريقة إقناع عقلية ومنطقية، تحاكي العقل قبل محاكاتها العواطف. حيث إنّ الشخص المتعلم أصبح مطلعًا على كثير من العلوم، وعلى نظريات فلسفية وعلمية فإذا لم يجد في الكتب الدينية سوى مواعظ خالصة فإنّه بلا شك سيعزف عن قراءتها.
إننا بحاجة حقاً إلى مد الجسور لا هدمها، وإلى تجديد حقيقي يحترم عقل المتلقي، وتوجهاته. ولا يسعى للانتقاص من أيّ كان. وإلى التخلص من عقدة الهوية في زمن الحدود الملغية، إذا ما أردنا أن نساهم في نهضة حقيقية وتجديد ملموس. أما تلك الثقة العمياء في أن الخطاب الديني خطاب مقدس، فهي تثبت فشلها في تأسيس مبادئ لجيل الشباب المتطلع إلى التغيير والتجديد من حيث المواضيع المتداولة وأسلوب عرض الموضوع وحيثياته. وعلى رجال الدين الإدراك أن في الثقافات الأخرى من العلم والإنجازات ما لا يقل عن ثقافاتنا. وأن العبرة تكمن في الأكثر نفعا بغض النظر عن مصدره.

asmaalqutibi@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك