إدارة الوقت "5"

محاسبة النفس على نعمة الوقتتعين على حسن استغلاله

جوخة بنت علي الحارثية *

(حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُقَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّاإِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِيُبْعَثُونَ (100()
سورة المؤمنون

اخي الصائم أختي الصائمة نكمل اليوم بتوفيق من الله سلسلة الدرس الثاني "إدارة الوقت"ونبدأها بالأشياء المعينة على استغلال الوقت.

ومن الأشياء المعينة على استغلال الوقت
المحاسبة على نعمة الوقت:هذا يختلف عن التحسر، فالمحاسبةتساعد على معرفة النقص وإيجاد الحلول ..أما التحسر فيضيع فيه الوقت بدون إصلاحالأخطاء والإستفاده منها !!
فلا بد أن نعي أننا محاسبون بين يدي اللهتعالى عن أوقاتنا، وأن ندرك أنه ما من لحظة من العمر تفنى لم نذكر فيها ربناإلاّ وندمنا عليها غداً عند لقاء ربنا، وأن أهل الجنة - وهم يتقلبون فيالنعماء - يتذكرون تلك الساعات التي مرت من حياتهم دون أن يذكروا فيها الله، ولوأنهم أحسنوا استثمارها في طاعة الله تعالى لكانت رفعة لهم في المنازل والدرجات،وتقريباً إلى ربهم ورضاء.
وكان سلفنا الصالح أكثر انتباهاً لتلك المواقفوأمثالها، فنجدهم في حالة حساب شديد مع نفوسهم لتجاوز كل المخاوف المرتقبة، ومنأولئك أحد الصالحين الذي أعدّ لنفسه وِرْدَ محاسبة عند مساء كل يوم، فيقف مع نفسهمعاتباً ولائماً حيث يقول:
إذا هجع النّوام أسـبلت عبرتي​**** وردّدت بيتاً هو من ألطف الشعر
فنحن في دنيانا كركب لجة **** نظل قعوداًوالزمان بنا يجري
أليس من الخسران أن ليالي ​تمر***** بلا نفعوتُحسب من عمري!!

ومن هنا ندرك بأن هذه الحياة ما هي إلا أعمار، وماالأعمار إلاّ أعوام، وما الأعوام إلا شهور، وما الشهور إلاّ أيام وماالأيام إلاّ ساعات، وما الساعات إلاّ دقائق، وما الدقائق إلا ثواني تحصيهاملائكة كرام!!
هنيئاً للذي تنبه وتحسر على ما فات من عمره ، وتذكر ما مضى.. وندم على ما فاته .. وعقد العزم والنية على إصلاح ما أفسده .. فالعاقل من ندماليوم حيث ينفعه الندم، واستقبل لحظات عمره ، فعمّرها قبل أن يأتي اليوم الذي لاينفع!!!
أما من لم ينتبه فسينتبه لقيمة الوقت عند سكرات الموتولحظات الوفاة، في تلك الساعة، حيث يتمثل أمامهم شريط لأعمالهم دقيقة بدقيقةولحظة بلحظة، قال تعالى : (وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَيَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى () يَقُولُ يَالَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي). وقال تعالى(أَنتَقُولَ نَفْسٌ يَاحَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ.(57))

بكى أحد السلف فقيل له : ما يبكيك ؟ قال : على يوم مضىما صمته وعلى ليلة ما قمتها .

عاقب عمر بن الخطاب رضي الله عنه نفسه حينفاتته صلاة العصر في جماعة بأن :(تصدّق بأرض قيمتها مائتي ألفدرهم).

ابن عمر - رضي الله عنهما - كان إذا فاتته صلاة في جماعة(أحياتلك الليلة).

فاتت ابن أبي ربيعة ركعتا سنة الفجر (فأعتقرقبة).

أين نحن من هولاء السلف الصالحين؟؟؟
يالله ما أكثرالأوقات التي فرطنا فيها !!
كم من الأيام مضت بلا عبادة ؟؟
كم ساعة ودقيقةمرت لم نذكر فيها الله !!
( القرآن )هذا الكنز العظيم ( كنز الحسنات الذييعطي مليارات الحسنات)
شفيعك ومؤنسك في وحشة القبر وظلمته، كم نصيبيونصيبك من اليوم ؟هل فتحت القرآن اليوم؟هل لك ورد يومي؟

اليوم ٢٤ساعةكم نصيب العبادة منها ؟؟

إن إضاعة الوقت أشد من الموت؛لأن إضاعة الوقت تقطعك عن الله والدار الآخرة، والموت يقطعك عنالدنيا وأهلها،كنائم رأى مسيرة حياته في لمح بصر ثم استيقظ! ذهبت الأيامبآلامها وآمالها وأحلامها، بشدتها وقسوتها، ولكن بقي الحساب.
فيا منضيعتم أوقاتكمفي مشاهدة المسلسلات وسماع الأغاني، أمام الهاتفوالإنترنت، في الأسواق والكلام الفارغ ، والغيبة والنميمة، فيالتسكع في الشوارع ،ويا من عكفتم على المعاصي جميع أوقتكم، ويا منجعلتم كل أوقاتكم للشيطان وحزبه ..
احذروا الموت وفجأته، فعمرك إلىانتقاص،وسيئاتك في ازدياد..(فتب إلى الله واحذر التسويف).

قال بلال بن سعد -رحمه الله-: "يقال لأحدنا: تريد أن تموت؟! فيقول: لافيقال له: اعمل، فيقول: سوف أعمل،لا يحب أن يموت، ولا يحب أن يعمل، فيؤخرعمل الله تعالى، ولا يؤخر عمل الدنيا".

نسأل الله - عز وجل - بمنِّهوكرمه أن يعاملنا بلطفه وكرمه، وأن يرزقنا حسن التعامل مع أوقاتنا، وأن يجعل يومناخيراً من أمسنا، ومستقبلنا خيراً من حاضرنا، وأن يوفقنا لفعل الخيرات، وتركالمنكرات، وأن يأخذ بنواصينا ونواصي ذرياتنا وأحبابنا إلى ما يحبه ويرضاه، إن ربيلطيف رحيم.

*دائرة الإرشاد النسوي بوزارة الأوقاف والشؤون الدينية

تعليق عبر الفيس بوك