أزمة اليونان تعري تهاوي بنية الاقتصاد العالمي

عبيدلي العبيدلي

أعربتْ المديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستين لاجارد، يوم الخميس الماضي، "عن خشيتها من فترة ضعف طويلة في نمو الاقتصاد العالمي؛ بسبب التوترات الجيوسياسية والمخاطر من التقلبات المالية، (مضيفة)هناك خطر من أن يواجه العالم لفترة من الوقت مستوى ضعيفًا من النمو، (ملمحة) إلى أن مؤسستها قد تخفض توقعاتها الاقتصادية، (مشيرة) إلى عبء المخاطر الجيوسياسية على النشاط العالمي، ومنها التوترات في أوكرانيا والشرق الأوسط".

وقد سبق للاجاردأنْ حذَّرتْ من إقبال الاقتصاد العالمي على أزمة حقيقية عندما دعتْ إلى "مراقبة التداعيات على الدول الناشئة التي قد تقع مرة أخرى ضحية انحسار رؤوس أموالها مما يزعزع استقرارها. مُبينة أنَّ مهمة صندوق النقد الدولي الرئيسية هي مساعدة الاقتصاد العالمي على الانتقال إلى السرعة الأعلى وتجاوز ما تبيَّن حتى الآن أنه تحسن اقتصادي مخيب للآمال".

وعلى نحو مواز، راقبتْ المؤسسات المالية العالمية تردي أوضاع الاقتصاد الأمريكي، وهو الذي يُساهم بما يقارب الـ25% من الاقتصاد العالمي؛ حيث "سجل -ذلك الاقتصاد- الأداء الأسوأ منذ خمس سنوات في الربع الأول من العام 2014". وهذا ما حَدَا بكبير الاقتصاديين في بي.إن.سي فاينانشيال ستيوارت هوفمان، أن يطلق عليه صفة "النكسة"، التي ستقود بدورها إلى "تراجع الناتج الإجمالي المحلي وخفض تقدير الإنفاق الاستهلاكي وهو المساهم بأكثر من الثلثين في نمو الاقتصاد الأمريكي مع انحدار التجارة وتراجع الصادرات 10%".

وإذا ربطنا ذلك بما أفصح عنه كبير الخبراء الاقتصاديين في صندوق النقد الدولي أوليفييه بلانشار، من "أن الصندوق لا يمكنه إمهال اليونان لدفع دينها، وإلا فانه سيخرق القواعد المرعية بشأن الدول التي تتخلف عن السداد".

ووضعنا ذلك فيما سبق وأن صرح به الرئيس الفرنسي ساركوزي، قبل عام، حين أكد على أن الوقت حان "لجعل الرأسمالية أخلاقية بتوجيهها إلى وظيفتها الصحيحة، وهي خدمة قوى التنمية الاقتصادية وقوى الإنتاج، والابتعاد تماما عن القوى المضاربة"، سوف نكتشف أن أزمة الاقتصاد العالمي اليوم لم تعد هامشية، تنحصر في نقص في السيولة المالية، أو مجرد تعثر في معدلات النمو، أو ارتفاع في معدلات البطالة.

هذا ما تؤكده أيضا كتابات المدون التونسي في الاقتصادمختار بن حفصة، الذي يرى أن على الرغم من أن منطلقات الأزمة كانت مالية، غير أنها هذه المرة وجهت ضربة قاصمة إلى "صميم المركز ولم تكن طرفية كأزمات السنوات السابقة من عشرية التسعينيات وبداية سنوات الـ2000، (مضيفا)لقد تحوَّلت هذه الأزمة من أزمة مالية إلى أزمة اقتصادية إجمالية شملت الاقتصاد الحقيقي والإنتاج، (مؤكدا على أنها باتت) أزمة هيكلية متوسّعة من المجال المالي إلى مجال الاقتصاد الكلي ولم تقف عند حدود وال ستريت أو الولايات المتحدة".

ويشاركنا هذا التشخيص في أن الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالاقتصاد العالي اليوم لم تعد مجرد أزمة مالية -كما يحلو للبعض توصيفها- الكاتب الاقتصادي معتز حيسو؛ حين يؤكد أنَّ مظاهر تعثر الاقتصاد العالمي قد "أسست لمرحلة رأسمالية نيو ليبرالية نشهد نهاياتها نتيجة لدخول الاقتصاد الرأسمالي في أزمة بنيوية يمكن أن تتحول إلى أزمة عامة في حال استمرارها وتشكل البديل الطبقي... وتمثل الأزمة الاقتصادية الراهنة لحظة بدء التحولات الاقتصادية والسياسية على آليات اشتغال النظام الرأسمالي المعولم، وتشير كافة الدلائل والمعطيات بأن الاقتصاد العالمي يدخل في حالات انكماش اقتصادي، وسوف يعاني من ركود اقتصادي يمكن أن يصل لدرجة الكساد نتيجة لجملة من الأسباب الذاتية والموضوعية، وهذه الأسباب والعوامل تشكل أسس الأزمة البنيوية التي يعاني الاقتصاد الرأسمالي من تجليات تناقضاتها الأولية.

ويكشف كاتب اقتصادي آخر هو الفاضل الهاشمي، عن بعض العلامات الواضحة التي تذر بتفعيل عناصر الأزمة البنيوية حين يشير إلى أنه "عملياً وعلي أرض الواقع توتّر انسيابية الاقتصاد الرأسمالي حقيقتان موضوعيتان هما الركود الاقتصادي واللامساواة كقوانين للتراكم الرأسمالي (ينقل ذلك عن توماس بيكيتي، ويضيف عليه) أثبتت إحصائيات تراكم الثروة الفجوة الطبقية المتزايدة راسيًّا علي مر العقود بين ثروات مالكي أدوات الانتاج والخدمات وبين دخول المنتج الحقيقي رغم الطفرات التقنية والاتمتة. فمثلاً نجد اعلي 10% من مالكي الثروة في الولايات المتحدة الامريكية يمتلكون 72% من مجمل ثروة البلد في حين النصف الأدنى من الملاك يمتلكون 2% فقط من الثروة (المجلس الاحتياطي الفدرالي الأمريكي 2010-2011)؛ أما في مجال سلع البورصات (أسهم وسندات وصناديق وودائع وائتمان)، فإن أعلى 1% من الملاك (يحتكرون) أكثر من 50% من تلك الثروات. هذه الوقائع التي اتفق عليها جميع الاقتصاديين والخبراء تقوّض على الدوام الفرضيتين أعلاه وتطعن في جدواها الفكري اللهم إلا الاستمرار في إعادة إنتاج".

وأخيرا... يحذر الخبير الاقتصادي اللبناني غالب ابو مصلح، في نهاية العام 2008، من "أن هذه المتغيرات الكبيرة ستحدث تغييرا عميقا في بنية النظام الرأسمالي العالمي الذي انبثق من الحرب العالمية الثانية؛ فهذا النظام الذي بناه المنتصرون في تلك الحرب ولمصالحهم، وبقيادة الولايات المتحدة، عبر عن توازنات تلك الحقبة خارج إطار المعسكر الاشتراكي، وتم تجاوز هذا النظام او بعضه عندما أصبح غير قادر على الامساك بالعالم الرأسمالي وادارته وحكمه، وخاصة بعد انفجار أزمته البنيوية على الصعيدين المالي والاقتصادي".

الكاتب الاقتصادي إبراهيم عبداللطيف الأعظمي، عند توصيفه لسمات الأزمات الاقتصادية الشاملة يجد أنها تتمحور حول مؤشرات أساسية هي:

- أولا: المفاجأة والمباغتة.

- ثانيا:التهديد.

- ثالثا:الفوضى.

- رابعا: ضيق الوقت.

ولو تمعنا عميقا فيما أفضت إليه أزمة اليونان؛ فسوف نكتشف أن الكثير مما يتمظهر في الأزمة اليونانية، ومن ورائها الأزمة البنيوية العالمية يدور بشكل أو بآخر حول محيط تلك السمات الأربع.

تعليق عبر الفيس بوك