كيف تصنع (مذهبيا) متطرفا؟

مسعود الحمداني

نحن في زمنٍ أصبح العاقل فيه قابضاً على الجمر، والمجنون حاكمًا ومتحكّمًا، ولبسَ الباطلُفيه ثوبَ الحق، وتبرأ الحقُ من الحقيقة، واختلط حابلُ القوم بنابلهم، وسُفكت دماءٌ باسم الإسلام، وهُتكت حرماتٌ تحت ذريعة الدين، وخرج (علماءُمذاهبَ) لا يرون إلا ما دون أقدامهم، يرمون النّاس بالكفر، ويشيعون ثقافة العنف والكراهية ضد كل من يخالفهم، واتخذ البعض المذهبَ خندقاً لا يرون إلا ما يراه علماؤهم، ومريدوهم، مذاهبٌ شتى، وقلوبٌ عمياء لا ترى الحق إلا في (شيوخٍ) اتخذوا الدين مطية للوصول إلى الهيمنة على عقول البسطاء من الناس، مذاهبٌ تكفّر مذاهبَ، وترفع شعار (نحن من نملك الحقيقة المطلقة وغيرنا على ضلال)، ومذاهب تُريد محاكمة التاريخ، ومذاهب تريد الخروج من التاريخ، هكذا بدأت خيوط الحكاية التي نعايش فصولها منذ مئات السنين، منذ فتنة (خلق القرآن) وحتى يومنا هذا، والتي نقطف ثمارها البشعة هذه الفترة، مذاهبٌ تريد محوَ مذاهب، ومذاهب تبحث عن الاختلاف، وتنسى الائتلاف، هذا هو ملخص الرواية الدموية التي لن ترحم أحدًا بعد اليوم ما دامت المذاهب و(المتمذهبون) هم من يحكمون ويتحكمون في عقول المسلمين، ويحتكرون الدين باسم الله..

خرجت (القاعدة) و(داعش) و(بوكو حرام) و(عصائب الحق) وغيرها من التنظيمات والميليشيات من تحت عباءة علماء هذه المذاهب، وخرج المتشددون والتكفيريون والمتطرفون من بين ظهرانيهم، وكانت قضية فلسطين، وغياب الوعي الاجتماعي والديني، والأنظمة المستبدة، وضياع العدالة الاجتماعية، وقضايا الفقر والتخلّف أسباباً أذكت هذا التطرف، وجاءت الولايات المتحدة تحت ذريعة هجمات الحادي عشر من سبتمبر لتجد بيئة جاهزة لتنفيذ مخططات معروفة مسبقاً لتفتيت بنية المجتمعات العربية، وإلهائها بعظامٍ وفتاتٍ ترميه للمغيّبين منهم هنا وهناك، وفرضِ فكرة تقسيم وتقاسم السلطة على أساس مذهبي وطائفي، وليس على أساس كفاءات وطنية، ومن ثم تقسيم كل دولة إلى دويلات ضعيفة تتربّص الواحدة منها بالأخرى إلى أن تقوم الساعة.

خرج (متمذهبون) لم يتورعوا عن قتل مصلّين يسجدون لربٍ واحد، ولم يتوانوا عن سبي نساء، وبقرِ بطون حوامل، وقطعِ رؤوس مسلمين، ولم يرف لهم رمش وهم يذبحون الأطفال، ويفجرون الأسواق، ويسحلون أتباع المذاهب الأخرى، ويحرقون البشر، ويتفنّون في اختراع أساليب لقتل المؤمنين بطرق لم تخطر على بال الشيطان..تقودهم لفعل ذلك عصبية جاهلية، وتعصّب أعمى للمذهب وليس للدين، وشيخٌ مذهبيٌّ أفتى بتحليل قتل المخالفين، ومحو آثارهم، وإلغاء كل فكرٍ لا يوافق هواه.

فشلت السياسة والإعلام والمناهج الدراسيةالعربية في التصدّي لظاهرة المذهبية العمياء، لأن الأنظمة العربية ومن خلفها (السلطة الدينية) لا تملك في الأصل مشروعا إصلاحيا تنويريا واضحًا لا على المستوى السياسي ولا الاجتماعي ولا الفكري ولا الديني، ولذلك هي لا تملك المبادرة لحل القضايا الخطيرة التي تحيط بالأمة..وعجزت هذه المنظومات عن التصدي لفكرٍ منحرفٍ استطاع في غضون سنوات غسل أدمغة شباب عربي ومسلم، وزرْعِ فكرة الموت والقتل في عقيدتهم للخلاص من (العدو) المتوهم، وفَعَلَ شيوخُ هذه المذاهب ما لم تستطع فعله الأنظمة العربية خلال عقود، فكان كلاهما (الأنظمة الحاكمة والتنظيمات المذهبية) سببًا في السقوط والدمار والخراب الذي يحيط بالوطن العربي من المحيط إلى الخليج، والذي لن تستثني ناره وعدواه أحدا..ولا نملك إلا أن نرفع أيدينا إلى السماء مرددين: (ألا لعنة الله على الظالمين).

Samawat2004@live.com

تعليق عبر الفيس بوك