النسب المحبطة للأكاديميين العمانيين في التعليم العالي

د. سيف بن ناصر المعمري

لا يزال التعليم بصفة عامة والتعليم بصفة خاصة أحد الملفات التي تُفتح بشكل سريع دون قراءة ناقدة لما تتضمنه، سواءً من حيث المرجعية التخطيطية أو من حيث البنى التشريعية أو من حيث سياسات القبول أو من حيث سياسات الجودة أو من حيث نوعية التخصصات وارتباطها بسوق العمل، أو من حيث نوعية الكوادر التدريسية والمؤهلات التي تحملها ونسب التعمين بها، إذن نحن أمام ملف على قدر كبير من الخطورة خاصة إذا عرفنا أنّ عدد مؤسسات التعليم العالي بلغ وفقا لتقرير وزارة التعليم العالي في عام 2011/2012م (54) مؤسسة تعليمية، منها (28) مؤسسة حكومية، و(26) مؤسسة خاصة، وهي تتوزع إلى جامعة حكومية واحدة، و(14) كلية جامعية حكومية، و(13) معهدًا متخصصاً، أما المؤسسات الخاصة فتتوزع إلى (7) جامعات و(19) كلية جامعية، وبالتالي فإنّ هذا القطاع الكبير يفترض أنه يوفر فرصاً وظيفية علمية كبيرة للعمانيين، لكن هل هناك خطة واضحة لتحسين نسب التعمين في هذه المؤسسات؟ أما أن التوسع في التعليم العالي يقود إلى فتح فرص عمل نوعية لغير العمانيين؟ إذا كانت الإجابة على هذا السؤال بـ "نعم" فهذا يعني أننا نستثني مؤسسات التعليم العالي من التعمين مع أحد الأهداف-من أي استثمار حسب فهمي هو فتح فرص عمل نوعية لأبناء البلد وتأهيلهم لشغل تلك الوظائف.

إنّ الإحصاءات المتوافرة عن واقع الوظائف الأكاديمية بمؤسسات التعليم العالي قليلة جدًا، وأحياناً متناقضة، وقد قمت بالبحث عن هذه الإحصاءات حول مختلف المؤسسات ولم أتمكن من الحصول إلا على إحصاءات حول كليات العلوم التطبيقية ومؤسسات التعليم الخاص التي تضمن في تقرير وزارة التعليم العالي السنوي، ولم أتمكن من الوصول إلى تطور نسب العمانيين في الوظائف الأكاديمية في كل من جامعة السلطان قابوس، والكليات التقنية، والمعاهد الصحية والمعاهد الشرعية التي تتبع وزارة الأوقاف والشؤون الدينية، وما سوف أعرض من قراءة هنا قد لا يساعد على تقديم صورة كاملة ولكنه يقدم مؤشرات ربما تكون متشابهة في مختلف مؤسسات التعليم العالي.

فيما يتعلق بنسب العمانيين في الوظائف الأكاديمية في كليات العلوم التطبيقية، تشير الإحصاءات إلى فجوة كبيرة في النسب وإلى تطور بطيء جدًا فيها، وفيما يلي بعض هذه المؤشرات:

- في العام الجامعي (2010/2011) بلغ عدد أعضاء الهيئة الأكاديمية في كليات العلوم التطبيقية (611) أكاديميًا، كانت نسبة العمانيين منهم (32%) فقط، تبلغ نسبة العمانيين من حملة البكالوريوس (0%) من ضمن هذه الفئة التي تشكل (11.5%)، في حين تبلغ نسبتهم من حملة الماجستير (47%)، أما نسبتهم من حملة الدكتوراه فهي متدنية جدًا تبلغ (19%).

- شهدت هذه النسب تحسنا طفيفاً في العام الأكاديمي (2011/2012) حيث بلغت نسبة العمانيين من حملة الماجستير (54%) و (23%) من حملة الدكتوراه.

- وبلغ عدد أعضاء الهيئة الأكاديمية في العام الأكاديمي (2012/2013) (552%) عضوًا شكل العمانيون (38%) منهم، بلغت نسبة حملة درجة الدكتوراه (29%) أما حملة درجة الماجستير فبلغت نسبتهم (47%).

- أما من حيث نوعية المؤهلات فنجد أن (34.2%) فقط من هؤلاء سواء كانوا عمانيين أو وافدين هم من حملة درجة الدكتوراه أما النسبة الباقية (65.8%) فهم من حملة الماجستير والبكالوريوس، وانخفضت نسبة حملة الدكتوراه في العام الأكاديمي التالي (2011/2012) إلى (28%) من إجمالي الأكاديميين، في كليات تعمل على تأهيل خريجين في تخصصات دقيقة جدًا، مما يُثير علامات الاستفهام حول كلا المعيارين.

أما إذا تطرقنا إلى الهيئة الأكاديمية في مؤسسات التعليم العالي الخاصة فهي أيضًا صادمة إذا ما قورنت بالدعم الحكومي لهذه المؤسسات التي لابد أن تعطي مجالاً كبيرًا لتعمين وظائفها الأكاديمية، وتكشف الإحصاءات عن الحقائق التالية:

- في العام الأكاديمي (2010/2011م) بلغ عدد أعضاء الهيئة الأكاديمية في هذه المؤسسات (1877) عضواً، كانت نسبة العمانيين منهم (18%)، وحتى هذه النسبة بشكلها الإجمالي مضللة وتتضح خطورتها إذا عرفنا أن (43%) منها يشكلها حملة الدبلوم التخصصي أما حملة الماجستير فيشكلون (13%) وحملة الدكتوراه فيشكلون (5%) فقط.

- ارتفع عدد الأكاديميين في مؤسسات التعليم العالي في العام الأكاديمي التالي (2011/2012) إلى (2070) ووصلت نسبة العمانيين من بينهم إلى (20%) فقط، شكل حملة الماجستير من بينهم (13%) والدكتوراه (7%).

- تراجع عدد الأكاديميين في مؤسسات التعليم الخاصة في العام الأكاديمي (2012/2013) إلى (1680) عضوًا، كانت نسبة العمانيين منهم (18.4%)، شكل حملة الدكتوراه منهم (7.1%)، وشكل حملة الماجستير (10.8%)، مما يشير إلى تراجع عن نسبة العام الماضي في هذه الدرجة.

- أما عن نوعية المؤهلات في هذه المؤسسات بشكل عام فهي أيضًا مقلقة حيث يشكل حملة الماجستير الغالبية العظمى من هذه الهيئات الأكاديمية بنسبة بلغت (53%) أما نسبة حملة الدكتوراه فهي متدنية جدًا (24%)، والنسبة الباقية موزعة على حملة الدبلوم والبكالوريوس والدبلوم العالي، ولم يتغير الوضع كثيرًا خلال العام الأكاديمي التالي حيث شكل حملت الماجستير (49%) وحملة الدكتوراه (26%)، أيّ أنّ (76%) من أعضاء الهيئة الأكاديمية في مؤسسات التعليم الخاص لا تزال دون درجة الدكتوراه، فهل هذه النسبة تتفق مع نوعية الدرجات التي تمنحها هذه المؤسسات في تخصصات فنية من ضمنها الصحة والهندسة وتكنولوجيا المعلومات؟.

هل يتفق هذا الواقع مع رؤية وزارة التعليم العالي في سلطنة عمان؟ وهي التي وضعت في صدر التقرير السنوي للعام الأكاديمي (2012/2013) رؤية تنص على السعي "نحو تعليم عالٍ ذي جودة عالية يلبي متطلبات التنمية المستدامة"؟ نطرح هذا التساؤل ووزارة التعليم العالي في منتصف العام الحادي والعشرين من عمرها منذ إنشائها بالمرسوم السلطاني رقم (2/94) بتاريخ 5 يناير 1994م، ورغم أنني أدرك أن هناك مؤسسات تعليمية خارج نطاق إشراف الوزارة إلا أن معالي الوزيرة هي رئيسية مجلس الجامعة وهناك لجان مشتركة مع وزارة القوى العاملة ووزارة الصحة ووزارة الأوقاف والشؤون الدينية، فأين التقدم في ملف التعمين في هذه المؤسسات بعد كل هذه العقود؟ ألا يشكل التعليم العالي في عمان أكبر قطاع واعد للتعمين لو توافرت الإرادة؟ سيما وأن نسب عالية من الوافدين ممن يعملون في هذه المؤسسات حسب الإحصاءات الحالية هم من حملة الماجستير التي يوجد عدد كبير من حملتها من الشباب العمانيين؟

إنّه من المؤسف حقاً أن تعلن مؤسسات علمية في عمان في مواقعها الإلكترونية عن وظائف تعنونها بعبارة "لغير العمانيين"، هذا يمثل أكبر ضربة للتعمين في هذا القطاع، سيما حين تتوافر الكفاءات المؤهلة التي من حقها أن تنافس على هذه الوظائف بمؤهلاتها، وإذا استمر الأمر بدون قرار حكيم فنسبة العمانيين تتراجع بشكل كبير في مؤسسات التعليم العالي، وأدعو مجلس الدولة ومجلس الشورى ومجلس التعليم للنظر إلى هذا الملف بشكل جدي، وإيجاد السبل التي تتيح لجميع حملة الماجستير والدكتوراه العمانيين الذين يعملون في مؤسسات غير أكاديمية الانتقال للمؤسسات الأكاديمية ووفق شروط وضوابط منها المؤهل والكفاءة والسيرة العلمية فلو اجتاز هؤلاء هذه الجوانب فمن الأفضل الاستفادة منهم في أماكن أكاديمية بدلاً من أن يظلوا في أماكنهم الحالية يقومون بأعمال بعضها إداري يمكن لآخرين القيام به، فمصلحة الوطن تقتضي دائماً القرارات الصائبة في الوقت المناسب، كما أن المؤسسات الخاصة مطالبة بالعمل على زيادة نسب التعمين وتيسير الشروط التي تقود إلى تحقيق ذلك، لا يُعقل أن تفتح مشاريع في البلد وتكون أعلى نسب توظيف في وظائف ذات أجور متدنية.

saifn@squ.edu.om

تعليق عبر الفيس بوك