كي تستقيم الأمور وتؤتي المبادرة العمانية أكلها الطيبة

عبيدلي العبيدلي

تناقلت وكالات الأنباء دبيب الحيوية في أروقة الدبلوماسية العمانية، حيث "نشط الوسيط العماني في الآونة الأخيرة بين الحركة الحوثية المتمردة من جهة والشرعية في اليمن والأطراف الداعمة لها من جهة أخرى، عبر فتح قنوات تواصل بين السعودية والحوثيين لاحتواء الأزمة". ومن الطبيعي أن تنطلق أية مبادرة عمانية في هذا الاتجاه تلبية لمناشدة أحد الأطراف الضالعة، بشكل مباشر أو غير مباشر، في ساحة الصراعات اليمنية المتصاعدة. وكما تقول الأخبار المتسربة، تأتي الخطوة العمانية استجابة "لطلب إيراني بعد أن استطاعت عاصفة الحزم تحجيم قوة الحوثيين وتدمير معظم معسكراتهم وحسر تمددهم في المحافظات اليمنية".

ويحق للبعض أن يسود شيء من التشاؤم نظرتهم لهذه المبادرة العمانية، ليس لأي سبب آخر سوى تعقيدات الأوضاع في اليمن، والتي قادت إلى عدم استقراره، وصدامات مسلحة لم تعرفها اليمن، في تاريخها المعاصر، إن كان ذلك من حيث مساحة الانتشار، أو بسبب مدى الدمار الذي أضحت تتركه وراءها المعارك القائمة. لكن مقابل هذه النظرة المتشائمة، ينبغي الاعتراف أن ورقة الوساطة العمانية، ربما تكون آخر الأوراق التي تمتلك أفضل الحظوظ لانتشال اليمن من أوضاعه المتردية، من خلال المفاوضات السلمية عوضا عن الصدامات العسكرية. ومن ثم فهي تستحق أن تنال الدعم الذي تحتاجه ومن جميع الأطراف، إذا أريد لها النجاح، الذي ربما يضع الأساس لعلاقات حميمة بين الأطراف المتناحرة.

وكما يثير محللون سياسيون مطلعون على ما يجري في دهاليز السياسة الخارجية العمانية، فمن غير المتوقع أن تندفع مسقط في الدفاع عن دورها كوسيط إلى المستوى الذي يفقدها احتفاظها بالتوازن الذي يُعزز عدم انحيازها لأي من أطراف النزاع، الأمر الذي يجعل من "الصعب على مسقط ممارسة، (كما يرى أولئك المراقبين) ضغوط مؤثرة على أي طرف من الأطراف، ومن ثم فهي ستتوخى الحرص البالغ لعدم تقديم تنازلات فيما يتعلق بحيادها، وإنه يجب ألا ينظر إليها على أنها متأثرة بإيران بشأن الصراع في اليمن".

على أنه كي تستقيم الأمور في المنطقة، ليس في اليمن وحدها فقط، وإنما في عموم منطقة الجزيرة العربية، وربما في المنطقة العربية برمتها، وكي تنجح الوساطة العمانية على النحو المرجو منها، وتتمكن من إعادة الأوضاع في اليمن إلى الاستقرار المطلوب الذي يوفر البيئة الملائمة لمصالحة وطنية شاملة، لا بد من القبول بالثوابت التالية:

.1 أن تكف الأصابع الإيرانية عن اللعب بأيّ من الأوراق الداخلية في البلدان العربية الخليجية لفرض هيمنتها على سير الأمور في منطقة الخليج العربي. واستخدام تلك الأوراق لا يعني حصر الأمر في التدخل المباشر، العسكري أو السياسي، أو حتى الاقتصادي، بل يمتد ليشمل دائرة أكثر اتساعا بما فيها الورقة الطائفية. فحتى هذه اللحظة، ما تزال كل الشواهد تؤكد على أن الطرف الذي لا يكف عن التدخل في شؤون الطرف الآخر هو الجانب الفارسي وليس العربي. ولعل في إصرار طهران على الاحتفاظ بالجزر الإماراتية التي احتلتها عنوة الكثير من المؤشرات التي تكشف مثل هذا التدخل الفارسي.

. 2مقابل ذلك، وبعد أن تلتزم طهران بموقف الجار المسالم، ينبغي أن تتوقف الدول العربية الخليجية عن سياستها التي لا تكف عن وضع إيران في خانة الأعداء بشكل مطلق غير القابل للنقاش، فيكون المدخل السليم لعلاقاتها الخارجية مع إيران قائم على التعاون المنطلق من متطلبات المجاورة، والتاريخ الإسلامي المشترك، والاقتصاد النفطي الذي يتطلب الوقوف الموحد بحزم في وجه تدخلات الكارتيلات الدولية التي يحلو لها التسلل عبر ثغرات الخلافات الإقليمية لإحكام قبضتها على السياسات النفطية في هذه المنطقة. ويتبع ذلك علاقات عربية - فارسية ترتكز على الاحترام المتبادل البعيد كل البعد عن أي شكل من أشكال التعالي الذي يمكن أن يمارسه أي من الطرفين تجاه الطرف الآخر.

.3 ابتعاد الطرفين العربي والفارسي على حد سواء، بشكل علني، وعلى نحو استراتيجي، عن الاستعانة بالغرب، أو بأية دولة أجنبية أخرى، لتغيير موازين القوى لصالحه، واللجوء عوضا عن ذلك إلى العلاقات القائمة على الاحترام المتبادل الذي يوفر الأرضية المشتركة لحل الخلافات الإقليمية عبر الطرق السلمية المتحضرة، لا الصدامات العسكرية المدمرة، التي تنهك قوى الطرفين، وتستنزف مواردهما، وتؤجج العصبيات القومية، وتقدم المنطقة برمتها على طبق من ذهب للقوى الخارجية المتربصة بها للانقضاض عليها والتدخل في شؤونها الداخلية بما يحقق لها الاستمرار في حماية مصالحها الاستعمارية في المنطقة، ويعزز نفوذها فيها على حساب الطرفين العربي والفارسي.

.4 الاعتراف، والتصرف بموجب ذلك، على أن التنافس القائم بين إيران والدول العربية الخليجية، إنما هو صراع قومي يستمد جذوره من خلفيات تاريخية قديمة. ومن ثم فهو، لس كما يحلو للبعض تصويره على أنه خلاف مذهبي تغذيه نزاعات طائفية لم يعد هناك ما يبررها. يدعو للتمييز بين القومي والمذهبي، الخوف من أن يقود خلط الأوراق إلى حرف الخلافات عن طريق الحل الذي ينبغي لها أن تسلكه تلك الخلافات، ويساعد القوى كافة على العمل بشكل مشترك لنزع فتيل الأزمات، والحيلولة دون انفجارها.

قد يكون ثمن وضع حد للحرب المستعرة في اليمن باهظا، والسعر الدفوع أعلى بكثير مما توقعه البعض، لكن ربما - كما يقول المثل - ضارة نافعة. هذا إن أردنا تحويل السلبيات إلى إيجابيات، ولن يحدث ذلك، وعلى النحو المطلوب، وفي الاتجاه الصحيح، ما لم يدرك الأطراف كافة أن ما هو مشترك بين دول المنطقة أكثر من ذلك الذي يشعل الحروب بينها، وأن حل المشكلات القائمة لن يتحقق عبر الصدامات المسلحة، وإنما من خلال الحوارات المتحضرة. حينها فقط سوف تستقيم الأمور وتؤتي المبادرة العمانية أكلها الطيبة.

تعليق عبر الفيس بوك