الأرمن في ذكرى "المذبحة".. 100 عام من المعاناة والألم

يبدو أن شبح الأرمن مستمر في شد حكومة العدالة والتنمية في تركيا إلى الماضي، رغم إعلان الأخيرة مُضيها قدما لبناء "تركيا الحديثة".. إذ لا يزال الأرمن يصرون على تحميل الحكومة التركية مسؤولية "الإبادة" التي يقولون بأنهم تعرضوا لها عام 1915، ويطالبون أنقرة بالاعتراف بذلك ودفع تعويضات عنه، إلا أن أنقرة تصف ما حدث بأنه "أحداث مؤسفة أودت بحياة أرمن وأتراك مسلمين".

وقبيل الذكرى المئوية لتلك الأحداث التي وقعت في الرابع والعشرين من أبريل 1915، عاد الجدل إلى واجهة الأحداث بعدما وصف بابا الفاتيكان فرانسيسكو الحادث بأنه "إبادة جماعية"، وتلا ذلك إقرار البرلمان الأوروبي رسميا هذه العبارة لوصف ما جرى للأرمن في ذلك التاريخ.. وأبدى المسؤولون الأتراك -وعلى رأسهم الرئيس رجب طيب أردوغان- استياءهم من تلك التصرفات، إلا أنهم أكدوا في الوقت ذاته أنَّ بلادهم لا تعيرها أدنى أهمية لعدم استنادها إلى أيِّ دليل تاريخي أو قانوني.

الرُّؤية - هيثم صلاح

ومع مرور 99 عاما على مذبحة الأرمن، يستذكر العالم، المجازر التي تعرض لها هذا الشعب في ظل السلطنة العثمانية، غداة بادرة غير مسبوقة من تركيا التي وجهت تعازيها إلى أحفاد ضحايا تلك المأساة التي لم تعترف بها كإبادة.

فقد أقرَّ رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان بأن "معاناة الأرمن ناجمة عن أحداث كان لها آثار غير إنسانية مثل الترحيل خلال الحرب العالمية الأولى". لكنه لم يلفظ كلمة "إبادة" التي تنفي تركيا التي قامت على أنقاض الإمبراطورية العثمانية في 1923 حدوثها بشكل قاطع.

وتعرف مذابح الأرمن باسم "المحرقة الأرمنية" و"المذبحة الأرمنية" أو الجريمة الكبرى، وهي تشير إلى القتل المتعمد والمنهجي للسكان الأرمن من قبل الإمبراطورية العثمانية خلال وبعد الحرب العالمية الأولى، وقد تم تنفيذ ذلك من خلال المجازر وعمليات الترحيل، والترحيل القسري وهي عبارة عن مسيرات في ظل ظروف قاسية أدت إلى وفاة المبعدين.

فبحسب تقييمات بعض المؤرخين فإن "الإبادة المنتظمة للأرمن بدأت في نهاية القرن التاسع عشر، إذ يدور الحديث عن القتل الجماعي الذي وضع أساسه في أعوام 1894-1895 بغية تقليص عدد الأرمن في تركيا والقضاء عليهم قضاء تاما في المستقبل".

ويعتبر 24 أبريل عام 1915 رسميا بداية لإبادة الأرمن الجماعية؛ إذ استمر القتل الجماعي في فترة حكم مصطفى كمال أتاتورك، حتى العام 1922، حين دخلت القوات التركية مدينة إزمير في سبتمبر عام 1922.

ورافقت عملية الاستيلاء على المدينة مجزرة السكان من الأرمن واليونايين، فحرقت الأحياء الأوروبية للمدينة تماما، واستمرت المجزرة 7 أيام، وتسببت في مقتل نحو 100 ألف شخص.

ويتفق معظم المؤرخين على أن عدد القتلى من الأرمن تجاوز المليون، غير أن الحكومة التركية وبعض المؤرخين الأتراك يشيرون إلى مقتل 300.000 أرمني فقط، بينما تشير مصادر أرمنية إلى سقوط أكثر من مليون ونصف أرمني، إضافة إلى مئات الآلاف من الآشوريين والسريان والكلدان واليونان البنطيين.

وعندما دخل الإنجليز إلى إسطنبول في 13 نوفمبر عام 1919، أثاروا المسألة الأرمنية وقبضوا على عدد من القادة الأتراك لمحاكمتهم غير أن معظم المتهمين هربوا أو اختفوا فحكم عليهم بالإعدام غيابيا، ولم يتم إعدام سوى حاكم مدينة يوزغت الذي أباد مئات الأرمن.

وبسبب هذه المذابح، هاجر الأرمن إلى العديد من دول العالم لاسيما سوريا ولبنان ومصر والعراق، وبات 24 أبريل من كل عام مناسبة لتذكر ما حدث لهم والتنكيل بهم.

وردا على استمرار إنكار الإبادة الجماعية للأرمن من قبل الدولة التركية، قام العديد من الناشطين في مجتمعات الشتات بحملات من أجل الاعتراف الرسمي بتلك الإبادة الجماعية من مختلف الحكومات في جميع أنحاء العالم.

واعترفت 20 دولة و42 ولاية أمريكية رسميا بوقوع المجازر كحدث تاريخي، وفي 4 مارس 2010، صوتت لجنة من الكونغرس الأمريكي بفارق ضئيل بأن الحادث كان في الواقع "إبادة جماعية"، إلا أنه في غضون دقائق أصدرت الحكومة التركية بيانا تنتقد "هذا القرار الذي يتهم الأمة التركية بجريمة لم ترتكبها".

وتعترف بعض المنظمات الدولية رسميا بـ"الإبادة الأرمنية" مثل الأمم المتحدة والبرلمان الأوروبي ومجلس أوروبا ومجلس الكنائس العالمي ومنظمة حقوق الإنسان وجمعية حقوق الإنسان التركية.

ومن جانبها، تصرُّ تركيا على أن سبب وفاة الأرمن هي ظروف الحرب والتهجير، وتم تمرير الفقرة 301 في القانون التركي في عام 2005 يجرم فيه الاعتراف بالمذابح في تركيا.. ويذكر أن هناك أكثر من 135 نصب تذكاري، موزعة على 25 بلدا، تخليدا لذكرى "الإبادة الجماعية" للأرمن.

ردود فعل متباينة

ويقول إيرول أوغلو مدير مركز دراسة العلاقات التركية الأرمنية بجامعة أتاتورك بمدينة أرضروم: إن الدولة العثمانية عام 1915 أصدرت قانون "الترحيل والإسكان" ليس لأهداف دينية أو قومية، بل لإبعاد ''العصابات الأرمنية" التي ارتكبت مجازر في حق المسلمين وخاصة النساء والأطفال والمسنين. واتهم الأرمن بمحاولة "خلط الأوراق وتضليل الرأي العام للتغطية على جرائمهم تلك".

كما نشرت صحيفة ميللي التركية وثائق تاريخية قالت إنها تكشف رفض دول أوروبية طلب الدولة العثمانية إرسال قضاتهم للانضمام إلى لجنة التحقيق التي أسستها للتحقيق في أحداث 1915 وكشف الضباط الذين استغلوا وظيفتهم لتهجير الأرمن، حيث رفضت هولندا وسويسرا والدانمارك وإسبانيا المشاركة بدعوى أن هذه "اللجنة لا تناسب مصلحتها وغير ضرورية لها".

فيما أشار الأرمني إيتيان محجوبيان كبير مستشاري رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو، إلى "ضرورة اعتراف الدولة التركية بالإبادة". وقال محجوبيان إنَّ المسألة الأرمنية يجب أن تطبق فيها نفس القاعدة التي تصف الأحداث في أفريقيا والبوسنة بأنها "إبادات". وأثنى على تصريحات البابا واصفا إياها بأنها بمثابة "إزاحة ثقل ضغط نفسي" عن كاهل الفاتيكان حملته مائة سنة.

وشدَّد على أنَّ تلك الكلمة إضافة إلى قيمتها السياسية، تمثل قيمة معنوية مهمة بالنسبة للأرمن. لكنه أكد أن الأهمية لا تكمن في الكلمة نفسها بل في قبول الدولة التركية مواجهة ماضيها واستخلاص دروس منه.

ويقول الأرمن إن مليونا ونصف مليون أرمني قتلوا بين عامي 1915 و1917، لكن أنقرة ترفض هذا الادعاء وتقول إن حوالي 350 ألف أرمني ومثلهم من الأتراك المسلمين قتلوا عندما انتفض الأرمن وتحالفوا مع القوات الروسية ضد الدولة العثمانية.

وتؤكد تركيا أنها دعت أرمينيا إلى فتح أرشيف الدولتين بهذا الخصوص، لكن الأخيرة ترفض ذلك وتعتبر أن القضية "غير قابلة للنقاش".

تعليق عبر الفيس بوك