خلفان العاصمي
يعد التعليم أساس الانطلاق نحو التقدم والرقي لأي مجتمع، إذا تم إعداد خريجيه وتدريبهم بطريقة صحيحة، والاستفادة منهم في الوقت والمكان المناسبين، فالتعليم هو أساس تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتحقيق حرية الإنسان. وإذا كان النصف الثاني من القرن الماضي قد شهد ارتفاعا ملحوظا في المستويات التعليمية لأبناء الدول النامية على وجه الخصوص، مما أدى إلى انخفاض نسب الفقر في هذه الدول مقارنة بما كانت عليه من قبل، فإن الأوضاع الحالية للفقر والفقراء على المستوى العالمي تتطلب بذل مزيد من الجهد، ذلك أنّ الأعداد المطلقة للفقراء في العالم تزداد، والهوة بينهم وبين الأغنياء أصبحت أكثر عمقا واتساعا، لذا فإن تطوير التعليم عملية هامة تحتمها سنة الارتقاءات الحضارية الإنسانية، وضرورة ارتقاء خط حضارتنا العربية الإسلامية بلا انقطاع ولا انخفاض، وتحتمها كذلك ضرورة أن نتبوأ المكان اللائق بنا في ماراثون الحضارة الإنسانية، وتحتمها كذلك سمة التنافسية التي تتصف بها التفاعلات الدولية الحالية وكذلك أهمية تحقيق الحراك الاجتماعي الفعال حيث لا يبقى كل فرد في طبقته التي ولد منتميا إليها فتقل نسب الفقر وتحدث تيارات صاعدة وهابطة تبعا لمستوى الإنجاز التعليمي للفرد الذي لا يكون الفقر عائقا في سبيل تحقيقه، كما تحتمها ضرورة التحديث المستمر لسياسات واستراتيجيات التعليم في ضوء مستجدات الحاضر وإرهاصات المستقبل، وغير ذلك الكثير من المسوغات التي تحتم تطوير التعليم بمراحله المختلفة، وخاصة التعليم الجامعي.
إن استغلال الموارد البشرية المنماة استغلالا جيدا من أجل الفائدة المرجوة من وراء خطط التنمية العالمية يتطلب تحقيق مبدأ التكافؤ في القوى، حيث يجب على كل فرد في المجتمع أن يعطي أقصى قوته للدور الوظيفي الذي يؤديه في بناء المجتمع دون أن يعوقه في ذلك عائق، فقد نجد أفرادا تعودوا على مصير محدد عن طريق أحكام خاصة، فلا تكون عندهم أية خبرة للمشاركة في توجيه مصيرهم، فإذا ما وجدوا من المجتمع ترحيبًا بمشاركتهم وأفسحت لهم ظروف المشاركة الفعالة، فإنهم سيرحبون بها وبأيّ عمل يطلب منهم، وحتى يجدي اشتراكهم فإنّ على سياسات الإنماء أن تحقق لهم مختلف الخدمات الأساسية اللازمة لإنمائهم اجتماعيا، حيث من الملاحظ بوجه عام أن عدم التكافؤ - سواء في الناحية الاجتماعية أو الاقتصادية - يعوق عملية الإنماء في ذاتها، إذ يجب على مخططي السياسات الإنمائية أن يضعوا في الاعتبار أنهم بهذه السياسات ينتزعون من بعض الجماعات أمنها واستقرارها، ومن واجب السلطة القائمة أن تحقق مبدأ التكافؤ في فرص الحياة المختلفة في المجتمع، فلا تأتي سياسات الإنماء لصالح فئات في المجتمع دون فئات أخرى، بل تكون للجميع على السواء، وبما يحقق الفاعلية والنشاط الهادف لجميع أفراد المجتمع، عن طريق مناشطهم الاجتماعية وبما يسمح لهم بعملية الحراك الاجتماعي المتوازن والعادل .
تمّ التسليم بصورة متزايدة في الأوساط الدولية والمحلية على حد سواء بأهمية التعليم بوصفه أداة أساسية لحل المشاكل والتصدي للتحديات التي تواجه المجتمع بما في ذلك الفقر ومشاكل السكان والتدهور البيئي والتنمية الاجتماعية والاقتصادية والاستهلاك والإنتاج، وتوجد حاليًا دعوة واسعة النطاق إلى إعادة النظر في النظم التعليمية في ضوء احتياجات الحاضر واحتياجات المستقبل أيضاً، وبالتالي أصبح التعليم يفهم على أنه أمر لا بد منه وجزء لا يتجزأ من عملية إيجاد الحلول على الصعيد العالي وبناء مستقبل مستدام، إلا أن هذا لا يعني أنه يمكن تغيير العالم بواسطة التعليم فقط، بل إن التعليم هو من عناصر الحل الحاسمة وفي الوقت نفسه ثمة إقرار متزايد بأنه يتعين على جميع القطاعات في المجتمع التي قد تفيد من أوجه التحسن التي قد تنشأ عن التعليم وخاصة قطاع التنمية الاجتماعية، حيث يمكن تحديد الأهمية الجوهرية للتعليم بالنسبة للتنمية من حيث نمو الدخل إذ تعتبر قدرة التعليم على زيادة النمو محددا أساسيا وذا أهمية متزايدة، كذلك فإنّ التعليم يعطي للقادة الثقة والمرونة وسعة الأفق والقدرات الفنية المطلوبة لمواجهة تحديات الواقع الاقتصادي، كما أنّ التنمية تهتم في المقام الأول بتوسيع دائرة الاختيارات أمام الأفراد، وحين يكون التعليم وخاصة التعليم الجامعي سهل المنال وقادرًا على إتاحة مدى واسع من بدائل الدراسة، فإنّ ذلك يعتبر إنجازًا يدعم الحياة الاجتماعية ويساعد الموهوبين على إثبات مكانتهم.