◄ نهاية العام ليست خاتمة للأزمات كما إن بداية العام الجديد ليست ضمانة لانفراج تلقائي
د. سالم بن عبدالله العامري
مع اقتراب نهاية كل عام وبزوغ عام جديد، تتجدد لدى الإنسان مشاعر مُتباينة تتأرجح بين الأمل والتفاؤل من جهة، والقلق والتشاؤم من جهة أخرى. هذه اللحظة الزمنية الفاصلة لا تمثل مجرد انتقال تقويمي في صفحات التقويم؛ بل تُشكل محطة نفسية واجتماعية يعيد فيها الفرد والمجتمع تقييم الماضي، واستشراف المستقبل، ومساءلة الحاضر بما يحمله من تحديات وإخفاقات وآمال مؤجلة.
من منظور علم النفس، يُعد الأمل آلية تكيفية أساسية تُمكّن الإنسان من الاستمرار رغم الضغوط؛ إذ يرتبط الأمل بتوقع التحسن وإمكانية التغيير، حتى في أكثر الظروف تعقيدًا. غير أن هذا الأمل قد يتآكل عندما تتراكم الأزمات دون حلول ملموسة، وعندما تتسع الفجوة بين التوقعات والواقع، فيتحول التفاؤل إلى قلق، والانتظار إلى خوف من مستقبل غامض. هنا لا يكون التشاؤم ضعفًا فرديًا بقدر ما يكون استجابة طبيعية لخبرات متكررة من الإحباط وفقدان اليقين.
وعلى المستوى الجمعي، تتضاعف هذه المشاعر مع نهاية العام؛ حيث يترقب الناس انفراجًا في أوضاعهم المعيشية، وتحسنًا في الظروف الاقتصادية، وتراجعًا في الأزمات المتراكمة التي تثقل كاهل الأسر والمجتمعات. فالضغوط الاقتصادية، وارتفاع تكاليف الحياة، وتباطؤ الحلول الواقعية، جميعها عوامل تسهم في تشكيل مزاج عام يتسم بالحذر والترقب، لا بالاندفاع ولا باليأس المطلق. فالمجتمع، في مثل هذه اللحظات، لا يطلب معجزات، بل يتطلع إلى مؤشرات صادقة على التغيير، وإلى سياسات واقعية تستجيب لحاجاته الفعلية.
ويكشف هذا التوازن الدقيق بين الأمل والخوف عن وعيٍّ جمعيٍّ مُتنامٍ، يُدرك أن الزمن وحده لا يصنع التحول، وأن تعاقب الأعوام لا يعني بالضرورة تعاقب الحلول؛ فالتفاؤل غير القائم على أسس واقعية قد يتحول إلى وهم، كما أن التشاؤم المطلق قد يفضي إلى العجز والاستسلام. ومن هنا تبرز أهمية الأمل الواعي، ذلك الأمل الذي لا ينكر صعوبة الواقع، ولا يعفي الجهات المسؤولة من دورها، لكنه في الوقت ذاته يحافظ على طاقة المجتمع وقدرته على الصبر والعمل والمساءلة.
نهاية العام ليست خاتمة للأزمات، كما إن بداية العام الجديد ليست ضمانة لانفراج تلقائي. لكنها فرصة للمراجعة الصادقة، وإعادة ترتيب الأولويات، وبناء الثقة بين المواطن وصانع القرار على أساس الشفافية والمسؤولية. فالمجتمعات لا تنهض بالأمنيات وحدها، بل بإرادة الإصلاح، وعدالة الحلول، واستشعار المسؤولية تجاه الإنسان باعتباره محور التنمية وغايتها.
وفي خضم هذا الانتقال الزمني، يبقى الأمل ضرورة إنسانية لا غنى عنها، لا بوصفه هروبًا من الواقع، بل باعتباره قوة دافعة لمواجهته. أملٌ متزن، يُبقي العيون مفتوحة على التحديات، والقلوب مُعلقة بإمكانية التغيير، والعقول واعية بأن المستقبل لا يُنتظر فقط؛ بل يُصنع.
