عندما تصعد الروبوتات إلى خشبة المسرح: هل يتغير مستقبل الفن الاستعراضي؟

 

 

مؤيد الزعبي

 

في السنوات الأخيرة، بدأنا نشهد مشاهد غير متوقعة على خشبة المسرح، لم تعد فيها الجسد البشري وحده من يتحكم بإيقاعه؛ بل دخلت الروبوتات البشرية عالم العروض الفنية وتحديدًا الاستعراضات الراقصة، لتشارك الراقصين البشر وتضع نفسها في ذاكرة الجماهير كنجوم تخطف الأضواء، قبل أيام وفي مدينة تشنغدو الصينية رقصت روبوتات Unitree G1 مع المغني الصيني وانغ ليهوم؛ حيث نفذت الروبوتات حركات راقصة معقدة بما في ذلك القفزات الهوائية بطريقة متقنة أمام جمهور يبلغ 18 ألف شخص.

الملفت أن الجمهور تفاعل مع الأمر بطريقة كبيرة خصوصًا وأن التناغم بين الروبوتات وأنفسها وبينها وبين المغني كانت في قمة الإبداع والانسجام، فهل تخيلت عزيزي قارئ أن تخطف الروبوتات الأضواء وتصبح هي الأساس في فنون الرقص والاستعراض وحتى الغناء؟، هذا التساؤل هو مناط حديثي هناك معك من خلال هذا الطرح.

هذا التطور ليس مجرد عرض ترفيهي؛ بل خطوة نوعية في تطور العلاقة بين التكنولوجيا والفن، حيث نرى أجهزة ذكية تؤدي استعراضات متزامنة، وتنسجم مع الموسيقى بنحو يثير الإعجاب والتساؤل في آن واحد، فقد أظهرت الروبوتات قدرة على التحرك بتناغم مع الإيقاع والأضواء والموسيقى، تمامًا كما يفعل البشر، تاركة للجمهور مشاعر مختلطة بين الإعجاب والدهشة، وأحيانًا التساؤل عن حدود هذا الفن الجديد، وإلى أين يأخذنا في المستقبل.

لقد تحدثت في مقال سابق وقلت إن الروبوتات ترقص في بكين، حينها رقصت الروبوتات في حفل عيد الربيع الصيني وكانوا جزء من  رقصة "يانغجي" التقليدية جنبًا إلى جنب مع راقصين بشريين، مما جسّد اتحادًا بديعًا بين التراث الثقافي الصيني والتقنيات الحديثة، ولكن القفزة التي تُحدثها الروبوتات في سرعة تطورها وإبداع صناع الترفيه في استغلال قدراتها لجذب انتباه الجمهور وتأدية رقصات صعبة ومعقدة هو ما أجده مثيرًا للاهتمام حقيقةً، فتخيل معي عزيزي القارئ كيف سيكون شكل المسرح وهو يعج بالروبوتات المتصلة ببعضها البعض وبأضواء وموسيقى متناغمة ومن خلفهم شاشات مبرمجة بدقة ومن فوقهم درونات (طائرات مسيّرة) تشاركهم العرض، حينها سنتساءل هل سيتراجع دورنا كبشر في أن نصمم هذه العروض ونبدع في تشكيلها أم سنكتفي في المستقبل بأن نكون فقط متفرجين حينما يبسط الذكاء الاصطناعي نفوذه على الصناعة ويصبح هو المصمم وهو المبدع وهو المؤدي وهو النجم على خشبة المسرح.

من وجهة نظري، هذه اللحظات التي تشهد الروبوتات وهي تؤدي عروض الرقص ليست مجرد استعراض تكنولوجي؛ بل تعبير عن تحول أعمق في فهمنا للفن فالرقص تقليديًا كان وسيلة للتعبير عن المشاعر الإنسانية (الفرح، الحزن، الحب، الاحتفال)، واليوم مع وجود روبوتات قادرة على تنفيذ استعراضات يصعب علينا تنفيذها كبشر سنكون أمام فرصة كبيرة لخلق مشاهد موسيقية وفنية واستعراضية تفوق كل تخيلاتنا من الإبداع والاتقان والجمال.

وهنا أجدُ أن هذا التحول يطرح سؤالًا مهمًا: هل سيحل الذكاء الاصطناعي والروبوتات محل الراقصين والمؤديين البشريين؟ الجواب ليس بشكل كامل، ولكنه بلا شك يغير من المكانة التقليدية للفنان البشري في بعض العروض، فالروبوتات يمكن أن تقدم عروضًا دقيقة ومتقنة للغاية، وهو ما يوفر إمكانيات واسعة لفرق الأداء والمؤسسات الفنية لتجربة أشكال جديدة من الإبداع البصري، وأنا أتفق نسبيًا بأنه يبقى العنصر البشري في الفن من مشاعر والتفاعل اللحظي مع الجمهور والقدرة على الابتكار اللحظي سمة يصعب جدًا أن تتفوق عليها الروبوتات مهما بلغت من دقة في الحركة، إلا أنني مقتنع ايضًا بأنه لا شيء مستحيل طالما عجلة التطور تدور.

البعض يرى أن دخول الروبوتات في العروض الفنية يمكن اعتبارها منافسًا للراقصين البشر، ولكن أنا أجد أنه يمكن اعتباره أداة تعاون تُكمل قدرة الفن البشري وتوسع من نطاقاته، تخيل فرقة مختلطة تتكون من بشر وروبوتات تؤدي حركات معقدة، ويُبرمج كل روبوت ليؤدي دورًا محددًا في الأداء وفقًا لرؤية المخرج أو المصمم المسرحي هذا النوع من التعاون يمكن أن يُحدث ثورة في تصميم العروض الفنية عالميًا.

علينا أن نعترف- عزيزي القارئ- أنه من الآن وصاعدًا ستكون الروبوتات جزءًا لا يتجزأ من المشهد الفني، ليس فقط في عروض الرقص؛ بل في المسرح، الأداء الحي، وحتى في الفنون البصرية التفاعلية، وربما نشهد في المستقبل فرقًا من الروبوتات لها جمهورها ومعجبيها، وتنافس الراقصين البشريين في شهرتهم ونجوميتهم، أو نجد مسرحيات تقدم فيها شخصيات آلية تتفاعل مع الجمهور بطرق مبتكرة، الخيال يبدو بعيدًا لكن ما شاهدناه في عروض Unitree في الصين اليوم يجعلني أجزم أن الحدود بين الفن البشري والفن الآلي ستتلاشى شيئًا فشيئًا، لصالح تجربة فنية جديدة تجمع بين احساس الإنسان ودقة الآلة.

الأكثر قراءة

z