د. أحمد بن علي المرهون
لا تقوم المجتمعات على الموارد الاقتصادية وحدها وإنما على العلاقات التي تجمع الناس وعلى ما يسود بينهم من ثقة وتعاون وإحساس بالمسؤولية المشتركة. هذه الروابط الإنسانية تشكّل ما يُعرف برأس المال الاجتماعي وهو عنصر أساسي في قوة المجتمع وقدرته على الاستقرار والتعافي وبناء مستقبل مُتوازن.
عندما تتوافر الثقة بين الأفراد يصبح العمل الجماعي أكثر سهولة. يخف التوتر اليومي وتتراجع النزاعات الصغيرة ويتعزز الاستعداد للمشاركة في الشأن العام. المجتمعات التي تمتلك هذا الرصيد الإنساني تكون أقدر على مواجهة الأزمات وأقل اعتمادا على الحلول المفروضة من الخارج.
يتجلى رأس المال الاجتماعي في مُمارسات بسيطة ومألوفة مثل التضامن بين الجيران والمبادرات التطوعية، واحترام الأعراف التي تحفظ كرامة الجميع. هذه التفاصيل اليومية تخلق شعورا بالانتماء وتجعل الفرد يشعر بأنه جزء من جماعة لها معنى وقيمة.
غياب هذا الرصيد يؤدي إلى تفكك العلاقات الاجتماعية وانتشار الشك وتراجع الشعور بالمصير المشترك. في هذه الحالة تتحول التنمية إلى مشاريع شكلية لا تترك أثرا حقيقيا في حياة الناس لأن التنمية التي تتجاهل الإنسان وعلاقاته لا تملك أسباب الاستمرار.
التنمية المستدامة تحتاج إلى مجتمع متماسك يشعر أفراده بأنَّ لهم دورا حقيقيا في بناء مستقبلهم. تحتاج إلى مواطن يثق في محيطه ويؤمن بأنَّ جهده لن يضيع وأن مصلحته لا تنفصل عن مصلحة الآخرين. هذا الوعي يتكوّن عبر التعليم والمشاركة والعدالة واحترام التنوع.
الاهتمام برأس المال الاجتماعي يعني دعم التعليم الجاد وتشجيع العمل التطوعي وحماية الفضاء العام من الإقصاء والعنف وإتاحة الفرصة أمام الناس للمشاركة في اتخاذ القرار. حين يشعر الفرد بأن مكانته محفوظة يتحول إلى شريك فاعل في مسار التنمية.
إن قوة المجتمع لا تُقاس بما يملكه من موارد فقط وإنما بقدرته على بناء علاقات إنسانية متماسكة. رأس المال الاجتماعي يشكّل الأساس الذي تقوم عليه التنمية المستدامة، ويمنح المجتمع القدرة على الصمود والتقدم بثقة.
