د. عبدالله الأشعل **
ذكرنا أن الصهيونية هي ظاهرة إجرامية مركبة عدوانية لأنها تقوم على إفراغ الأرض من سكانها والاستيلاء عليها. والصهيونية عدو الجنس البشري.
والمشروع الصهيوني يقوم على الفرضيات الآتية:
1- أن اليهود فئة متميزة تتسم بالعبقرية ولذلك فإن الشعوب التي تعييش معها حاقدة عليها وهذا هو سبب اضطهاد اليهود في جميع أنحاء العالم.
2- أن الحل لهذا الاضطهاد هو أن يسكن اليهود وحدهم دولة معينة.
3- استغل هرتزل الصحفي النمساوي بعض الأحداث التي تعكس هذا الاضطهاد في عدة دول أوروبية وعكف على وضع المشروع الصهيوني الذي قدمه لعامة اليهود فانبهروا به وسلم هرتزل المشروع الصهيوني إلى بريطانيا العظمى التي كانت تسيطر على معظم دول العالم. وعرض على اليهود دول كثيرة، ولكنهم تمسكوا بأن فلسطين هي المكان الأنسب لإقامة دولتهم.
4- وقد عقدت 5 مؤتمرات لمناقشة هذا المشروع. حتى مات هرتزل 1905 فتلقف المشروع بعض الشخصيات البريطانية واليهودية وعرف المشروع محطات كثيرة، ولكن أهم محطاته مؤتمر فرساي في نوفمبر 1918 حيث تشكلت الوكالة اليهودية التي وضعت برنامجاً لهجرة اليهود إلى فلسطين وتولت بريطانيا العظمى المهمة.
5- إذا كان مؤتمر فرساي البداية العملية للمشروع فإنه عرف محطات كثيرة تالية منها على سبيل المثال اتفاق سايكس بيكو بين بريطانيا وفرنسا لتقسيم المنطقة العربية عام 1916. والمحطة التالية عندما تعهدت بريطانيا رسميًا بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين وكذلك في تصريح بلفور أستاذ الفلسفة في جامعة لندن والذي كان وزيرا للخارجية 2 نوفمبر 1917.وضمن هذا التعهد في رسالة منه إلى كبير الجالية اليهودية في لندن روتشلد.
وكان اليهود في بريطانيا يعرضون على الحكومة البريطانية أن تنفذ وعدها بإقامة المشروع الصهيوني في فلسطين مقابل سداد ديونها خلال الحرب العالمية الأولى. ثم مؤتمر فرساي وفيه محطتان الأولى فتح باب الهجرة إلى فلسطين من جميع الجاليات اليهودية في أوروبا وخاصة روسيا وبولندا. والمحطة الثانية هي تضمين عهد عصبة الأمم في المادة الثانية والعشرين نظام الانتداب حتى يمكن لبريطانيا أن تجد إطارا قانونيا لحماية اليهود المهاجرين في فلسطين.
وبالفعل استخدمت بريطانيا ثقلها في فلسطين لرعاية المهاجرين اليهود وحمايتهم، حتى قامت ثورة القسام 1936 واستغلت بريطانيا الحكام العرب في ذلك الوقت حتى يقنعوا الثوار بالتفاهم مع بريطانيا ثم دعت بريطانيا لمؤتمر في لندن اعترف بالهجرة وضبطها وظنَّ الحكام العرب في ذلك الوقت أنهم انتصروا وأنَّ هذه النتيجة بسبب ثورة القسام ولم يعرف الحكام العرب أنهم استدرجوا من بريطانيا العظمى لخطتها قي فلسطين.
6- فلما قامت الحرب العالمية الثانية في الأول من سبتمبر 1939 انضم العرب إلى بريطانيا العظمى في الحرب. وقد أثبتنا أن هتلر تواطأ مع اليهود في فضيحة التعويضات وأنه كان سببًا غير مباشر في هجرة اليهود الألمان إلى فلسطين. وتولت بريطانيا العظمى تدريب وتسليح العصابات الصهيونية الثمانية انتظارا للمواجهة في فلسطين بعد الحرب. وبعد الحرب العالمية الثانية تشكلت الأمم المتحدة ورفعت الآمال في مستقبل جديد، ولكن بريطانيا العظمى قدمت مشروع قرار التقسيم رقم 181 الصادر في 29 نوفمبر 1947 ورفضت الدول العربية الأعضاء في الأمم المتحدة كما رفضت إسرائيل هذا القرار.
أما سبب رفض الدول العربية فإنها استهولت انتزاع فلسطين من أهلها وظن الحكام العرب أن الفلسطينيين أُخرِجوا من ديارهم بالمذابح والإرهاب وأصبحوا لاجئين وتواطأت الأمم المتحدة هي الأخرى على الفلسطينيين وأنشأت لهم منظمة الأونروا لإغاثة الفلسطينيين وتشغيلهم في الشرق الأدنى واتفقت مع الدول المجاورة لفلسطين وهي مصر والأردن وسوريا على قبول اللاجئين مقابل رعايتهم من جانب المنظمة التي نشأت عام 1948.
وبالطبع كان لا بُد أن ترفض إسرائيل لأن قرار التقسيم يتناقض مع المشروع الصهيوني الذى يريد أن يستحوذ اليهود وحدهم على فلسطين ورفضت إسرائيل على لسان ممثلها في الجمعية العامة للأمم المتحدة أبا أيبان الذى أصبح فيما بعد أشهر وزير خارجية لإسرائيل وكان قبل ذلك سفيرا لإسرائيل في لندن رغم أنه من مواليد لندن ولم يدرك الحكام العرب في الغالب أنا ذاك أسطورة قرار التقسيم فقد رأينا في ملحمة غزة الموقف الإسرائيلي الحقيقي الذي أصدر قانونين من الكنيست الإسرائيلي بحظر إقامة دولة فلسطينية في فلسطين واقترح نتنياهو أن تقوم الدولة الفلسطينية على أراضي السعودية.
المهم أن عام 1948 شهد إنشاء إسرائيل وإسرائيل أداة في المشروع الصهيوني وتجسيد له. ولما كانت إسرائيل تعربد في المنطقة ولا تحترم القانون الدولي وليس عندها أخلاق مما شهدناه في أعمال الابادة في غزة وقطعان المستوطنين الذين يغيرون يوميا على أراضي الفلسطينيين وممتلكاتهم في الضفة الغربية؛ مما انتج الظاهرة الإسرائيلية وهي نموذج في البلطجة والسلوك المنحرف ولذلك اقترح أن تقدم دولة إسلامية أو عربية مشروع قرار في الأمم المتحدة يقرر أن الظاهرة الإسرائيلية والصهيونية أيضاً عدو للجنس البشري. وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة قد أدانت الصهيونية عام 1975 واعتبرتها شكلا من أشكال العنصرية.
والمشروع الصهيوني تطور خارج فلسطين إلى "إسرائيل الكبرى" المزعومة على أراضي دول عربية مجاورة هي مصر والأردن وسوريا ولبنان والعراق والسعودية في الخرائط التي أعلنها نتنياهو وعرضها رسميًا وعلنًا وتبني الرئيس ترامب مشروع إسرائيل الكبري رغم تحدياته واتسامه بالوهم والخيال.
مصير المشروع الصهيوني واصرار إسرائيل عليه سوف يفضي إلى نهاية إسرائيل والظاهرة الإسرائيلية، ولكن سيظل المشروع الصهيوني حلمًا للواهمين الصهاينة.
وأخيرًا، المشروع الصهيوني والظاهرة الإسرائيلية مشروع سياسي ولذلك اقترن بالحركة الصهيونية وهي ذيل من ذيول الاستعمار القديم ومرتبطة بأفول الغرب الاستعماري وافول نجم الولايات المتحدة ولذلك فإن اركان المشروع قد تحطمت أمام ارادة الفلسطينيين وتمسكهم بأرضهم مهما عظمت الظاهرة الإسرائيلية الباطشة.
والذي لا يعلمه كثيرون أن الدول العربية سوف تتمسك بأرضها؛ لأن هذه الأرض ملك للشعوب وليس للحكام. فمهما كانت ضغوط الولايات المتحدة ومؤامراتها على مصر والأردن وسوريا ولبنان، فإن الشعوب في هذه الدول الداعمة للمقاومة لن توافق على مشروع إسرائيل الكبري. ولا بُد من تأكيد سلطة القانون الدولي لأنه تراث المجتمع الدولي في جميع العصور ولا يعقل أن تهدده الظاهرة الإسرائيلية. ولعل حادث أستراليا هو البداية؛ إذ يعكس أن إسرائيل ستحصد جنايتها على صهاينة العالم. وجدير بالذكر أن إسرائيل تكتل صهيوني لا علاقة له باليهودية.
** أستاذ القانون الدولي ومساعد وزير الخارجية المصري سابقًا
