مطيّة عاشقٍ غلبه الزمن

عائض الأحمد

حينما كنا صغارًا، حلمنا بيومٍ يُثير الجمع، ويختلط فيه الفرح بنشوتنا، ونُظهر فيه قدرتنا على صفع الحياة وتحدّي الجميع.

أولم نكبر؟ أوليس لنا الحق أن نحبَّ ونختار، وأن نجاهر بعشقِ من نريد؟

كبرنا، فكبر معنا الخوف. لم يعد العشق جرأةً كما كان في أحلامنا، بل صار مخاطرةً تُحسب بالعواقب لا بالمشاعر. أصبحنا نخبّئ قلوبنا في صناديقٍ من حذر، نخشى أن يراها أحدٌ فيرمينا بتهمة الحماقة.

كأنّ الزمن تواطأ مع التجارب علينا، يُعلّمنا كيف نُخفي ابتسامتنا، ونُطفئ نيران الشوق بأطراف أصابعنا، حتى لا نحترق أمام الآخرين.

لم نعد أولئك الذين يتغنّون بالحب علنًا، بل صرنا عشّاقًا متقاعدين قبل أن تبدأ الحرب. نحمل في قلوبنا قصصًا لم تكتمل، ونمضي في الطرق نفسها التي مررنا بها ذات يومٍ ونحن نضحك… لكننا الآن نُخفي وجعًا يشبه الهزيمة.

غلبنا الزمن حين صدّقنا أن العاطفة ضعف، وأن الصبر بطولة، وأن التراجع نجاة. فخسرنا أنفسنا ونحن نظن أننا نحميها.

العشق الذي كنّا نحمله في صدورنا صار مطيّةً لخيباتنا، يمشي بنا كلّما أردنا أن ننسى، ويذكّرنا كلّما حاولنا أن نبدأ من جديد.

نخطئ كثيرًا ونعود أكثر، إنها بصمات البشر، والا مَن سيأتي بها غيرنا. نطلب العفو ويعلونا الانكسار، ثم نعود نحمل على أكتافنا ما تبقّى من كبرياءٍ هشّ، نحاول به أن نُخفي الندم، وكأنّ الصمت توبة، وكأنّ الغفران وعدٌ مؤجَّل لا نملك من أمره شيئًا.

نمضي بخطًى مثقلة، نراجع أنفسنا في كلِّ خطوة، فنكتشف أنّنا كنّا نقسو باسم الحب، ونُحبّ باسم الكبرياء.

هكذا يُربّينا الزمن: لا على النسيان، بل على التعايش مع ما لا يُنسى.

كلّما رفعتُ نظري إلى السماء، وجدتُ صفحتي يملؤها الاعتذار؛ فأنا بشر، ولي الحقّ أن أعود من الباب الذي كدتُ أن أخرج منه.

لها: ليس الحب ضعفًا، بل ذريعةُ الحياة لتقول إننا ما زلنا أحياء، مهما أثقلتنا التجارب.

شيء من ذاته: كنتُ أركض خلف نبضي ظنًّا أني أملكه، حتى أدركتُ أني كنتُ مطيّةً له لا فارسه.

نقد: الزمن لا يغلب العاشق إلا حين يتنازل عن صدقه، ويستبدل العاطفة بحسابٍ باردٍ للنجاة.

الأكثر قراءة

z