سالم مبارك الخويطر
من محاسن الشبكة العنكبوتية وخيوطها الشيطانية أن قرّبت لنا البعيد وعلّمتنا المزيد من العلوم والمعرفة التي كنا نجهلها، وأيضًا زادت من رصيد علاقاتنا الاجتماعية، وبين الحين والآخر تصلنا عبر مواقع التواصل الاجتماعي المزعوم بعض الإشراقات والشذرات الراقية والجميلة من أصدقاء يحملون بين جنباتهم كل الرّقي والجمال وأحد هؤلاء الصديق الأنيق مشعل العدواني الذي جمعتني به صداقة عابرة لم تكن بالحسبان في شمال الكويت، من خلال كشتة عائلية جاورنا خلالها مخيّمه حيث فاجأنا ورحّب بنا وإن كنّا بحاجة إلى نوع من المساعدة أو الخدمات التي يحتاجها عادة أهل الكشتات في حال تقطعت بهم السبل، ومنذ ذلك اليوم جمعتنا صداقة وعلاقة إلكترونية عبر رسائل الواتس، وتبادل الآراء ووجهات النظر حول كثير من القضايا وإن كنا مختلفين وغير متفقين في بعضها إلا أننا متفقان بالود والاحترام وتقدير هذه الصداقة الجميلة.
واليوم وقبل كتابة هذا المقال وصلني منه مقطع جميل وفيه من المعاني الجميلة ما حمّسني ودفعني لكتابة هذا المقال، المقطع حمل عنواناً جميلًا لمثل شعبي بدوي بسيط في كلماته ولكنه كبير في إسقاطاته، المثل يقول الخبال ما يمرح بالخلا حقيقة أستوقفني المثل كثيرًا ورأيته ينطبق على واقعنا اليوم وعلى حالة الفوضى الإلكترونية تحديدًا وعلى واقع العلاقات الاجتماعية في المجالس والدواوين والمنتديات وفي مسلسلاتنا ومسرحياتنا، معنى المثل أنّ الخبال ومفرده خِبْلٌ وهو فساد العقل وضياعه بين همزات الأهواء ولمزات الشياطين، المعنى أنّ الخبال أو صاحبه لا يكون في الخلا (المكان الخالي من الناس، في الصحاري وغيرها من الأماكن المفتوحة)؛ فعادةً ما يكون بين الناس وفي المجتمعات متغلغلًا فيها، مثيرًا للسخرية والجدل والفوضى، فارغًا من المعاني ومن الأخلاق، يبث ذلك الخبال دون وعي أو إدراك لذلك الأمر.
آخر السّطر.. ابتلينا في هذا الزمان بالمخابيل الذين لا يتوانون عن نشر غسيل خبالهم في كل مكان، بل يتمادون أبعد من ذلك ويتصدرون المجالس لا من قوة في حججهم ولا سداد في رأيهم، ولكن لارتفاع أصواتهم وضحكاتهم التي هي سلاحهم وطريقهم في نشر الفوضى، وتكاد تكون ظاهرة جديدة في العالم وليس في مجتمعاتنا العربية فحسب؛ فالمخابيل حول العالم بالآلاف إن لم يكونوا بالملايين وبان خبالهم عَبْر حساباتهم والتي يزعمون أنها حسابات مؤثرة، نعم مؤثرة ولكن بمزيد من الإسفاف والسخرية والاستهزاء ومحاولة سحب البساط من تحت أقدام المؤثرين الحقيقيين الذي ضاعوا في عجاج وجعجعة هؤلاء المخابيل، نحتاج اليوم لإعادة غربلة وفرز وتصنيف وتمييز الغث من السمين على تلك المواقع، حفاظًا على كيان الأسرة والمجتمع وتعزيز ثقافة التأدب والاحترام في مجالسنا وفي علاقاتنا، الأمر بات جدًا مزعج ويسبب حرج كبير خصوصًا لأصحاب المجالس والدواوين من تواجد أمثال هؤلاء وتضييعهم لأوقاتنا وارتفاع ضغط أعصابنا بخبالهم وفساد عقولهم وسفاهة أخلاقهم، علينا نبذهم وكبح جماحهم ومواجهتهم حتى لا يتحولوا إلى واقع يرافقنا في كب تفاصيل حياتنا، شكرًا الصديق الخلوق والطيب والراقي بوطلال مشعل العدواني.
أعرِضْ عن الجاهلِ السّفيهْ // فكلُّ ما قال فهو فيه
ما ضرّ بحرَ الفراتِ يومًا // أن خاضَ بعضُ الكلابِ فيهْ !
