يوسف عوض العازمي
@alzmi1969
"ليست الصحافة إلا وليدة البيئة وصورة العصر ومرآة تنعكس على صفحتها بدوات المجتمع ونزواته محمود تيمور".
*****
تعمدتُ وضع العنوان أعلاه للمقال، فقط للفت الانتباه لمن ينتبه ولديه نزعة انتباه بأن الكاتب يستطيع كتابة أي شيء وكل شيء مسموح له حسب اللوائح والقوانين، هنا كنت لا أعلم ما الذي سأكتب لهذا المقال، وبيني وبينك أكتب هذه الكلمات وأنا بانتظار الطائرة التي ستُقلني إلى الكويت، في أحد مطارات بني يعرب، وفي انتظار الطائرة، وبعد جولة سريعة في السوق الحرة، اقتنعت بأن آخر شيء ممكن أن يفكر به قراء الأمة المتطورون هو قراءة مقال ذي عنوان غريب!
القراء الآن تطوروا أصبحت تغريدة أو صورة في إحدى وسائل التواصل أهم بكثير من قراءة مقال تتجاوز كلماته كم مائة كلمة، لا تسأل عن السبب، تطورات الدنيا، وقصص الذكاء الاصطناعي سيطرت على الكثير، وبيني وبينك أيضا: لا ألوم القرّاء فلا الوقت فيه متسع، ولا المزاج له قابلية، ولا أحوال الدنيا تسمح لقراءة المقالات، سوى القليل من المهتمين من طلبة علم أو باحثين، أو ممن يجلس على كرسي لوحده في قهوة ولم يجد سوى صحيفة فوق الطاولة، فقرر قراءتها للتسلية، والله العالم هل ستسليه أم فنجان القهوة الساخن سيتكفل بذلك!
على ذكر الكلمة والصورة، دائما أسمع وأقرأ عبارة أن الصورة تعبر أكثر من ألف كلمة، وأعتقد أنها عبارة صحيحة، كم من أمور نظنها ونتوقعها، لكن الصورة تفضح ماهية الوضع الحقيقي، كم من خطب صدعت في الآفاق، وكشفت حقيقتها صورة، كم من شخصيات كنا نظن حقيقتهم كذا، وفي الصورة رأينا حقيقة مختلفة، وكم من اجتماعات حظيت ببيانات غاية في البلاغة اللفظية، وفضحتها صورة، ما أكثر ما نسمع ونقرأ، ثم تأتي صورة تتمشى على الهون، وتبين مآلات وتبعات ما لم يذكر او يكشف!
أيام الخطابات القومية، وأصداء المد الناصري، و"يا أرض اشتدي ما عليكي قدي"، كنا وكنا وكنا نعتقد ونجزم ونحلف، ثم كانت الصورة الجميلة التي جمعت جيمي كارتر ومناحيم بيجن وأنور السادات، وهم مجتمعون في منتجع كامب ديفيد، يتبادلون الابتسامات والإشادات بالسلام وسلام الشجعان، وبعد هذه الصورة الجميلة كانت المظاهرات تملأ بلاد بني يعرب احتجاجًا وغضبًا، وكانت الأمة بالفعل كأنها "ظاهرة صوتية" كما قال عبدالله القصيمي في ذات يوم!
وبعد سنوات وبعد الإفاقة من تبعات الحلم العربي، اكتشف الغالبية بأن ما فعله السادات هو عين العقل وسط ضوضاء وشوشرة أهل الشعارات، تشغيل العقل صعب جدًا وسط ضوضاء المزايدات، لكن السادات كان شخصا آخر!
تذكرت بيت شعر للعراقي معروف الرصافي:
لا يخدعنك هتاف القوم بالوطن
فالقوم في السر غير القوم في العلن!
لنرجع لعنوان المقال، هل اقتنعت بأنه في وقته، وبأنه يليق بهكذا مقال، لا تذهب بعيدا القصة كلها لا تتعدى مقال، قد تكون قراءته على استعجال، ولا تعاني من ذنب القراءة؛ فالقوم في السر غير القوم في العلن كما قال أبن الرصافة!
وأنا اكتب لك أسمع صوت مذياع المطار ينادي للدخول إلى البوابة، واستجابةً لهذا النداء الأخير سأعلق المقال، لكن أنتبه وأعلم ان تشغيل العقل نعمة، والله ميز الإنسان بعقله، وإلا هو في الحقيقة كما المخلوقات الأخرى، سأذكر لك الآن ماذا قال رب العزة والجلال: قال تعالى: وَكَانَ الْإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا (الكهف: 54).
