نزع سطوة "الفيتو"

 

 

علي بن حبيب اللواتي

 

تُمارس بعض دول العالم غطرسة عالمية على دول العالم دون رادع يردعها، ومن ذلك نشاهد السلوك الأمريكي عالميًا؛ فهي تحاصر فنزويلا ذات السيادة وتفرض عليها العقوبات الاقتصادية منذ عقود، وتحاصر دولًا أخرى دون أي رادع يمنعها بحجة الدفاع عن الحرية والديمقراطية العالمية. وفي الطرف الآخر، تشجع الكيان الإسرائيلي على التمادي في احتلاله للأراضي العربية في سوريا ولبنان وفلسطين، فتمنحه الوقت والمعدات العسكرية والقنابل والصواريخ المحرمة لتنفيذ مجازر في فلسطين والإبادة الجماعية والتجويع في غزة الصامدة.

هذه الازدواجية في المعايير المتناقضة تثير الكثير من الجدل والانتقادات عالميًا ضد هذا السلوك ذي المكيالين. فهي تحاصر دولًا تحت مسميات حقوق الإنسان ولا تدين دولة الاحتلال لانتهاكات حقوق الشعب الفلسطيني، واستخدمت حق النقض (الفيتو) 40 مرة ضد حقوق الشعب الفلسطيني وتطلعاته في دولة مستقلة حرة.

السبب الرئيسي لهذا التناقض هو سطوة حق النقض (الفيتو) الأمريكي في مجلس الأمن الدولي. فهذا الحق يسمح للولايات المتحدة بعرقلة أي قرار أو إصلاح لا يتوافق مع مصالحها. وعلى سبيل المثال، تجاهلت الولايات المتحدة صدور إدانة من محكمة العدل الدولية ضد الكيان المحتل لفلسطين؛ حيث أعلنت المحكمة أن الاحتلال الإسرائيلي غير قانوني ويجب إنهاؤه فورًا. فاستخدمت الولايات المتحدة حق النقض لعرقلة كل قرار في مجلس الأمن الدولي يدين الاحتلال الإسرائيلي الصهيوني.

من هنا نستنتج أن إصلاح مجلس الأمن الدولي هو أحد الحلول الناجحة لإلغاء سطوة حق النقض الأمريكي. والشرط الوحيد حسب ميثاق الأمم المتحدة هو الحصول على موافقة ثلثي الدول الأعضاء في الجمعية العامة، أي 128 دولة من أصل 193 دولة عضو. هذا يعني أن المجتمع الدولي يمكن أن يلعب دورًا حاسمًا في إصلاح مجلس الأمن الدولي.

وقد سبق أن طالب معالي السيد بدر بن حمد البوسعيدي وزير الخارجية، بإصلاح مجلس الأمن خلال مشاركته في الدورة رقم 80 للأمم المتحدة في سبتمبر 2025، علمًا أنه ليس المطلب الوحيد من نوعه عالميًا؛ فهناك دول ومجموعات دول أخرى طالبت بإصلاحات مُماثلة، مثل مجموعة الأربعة (G4) التي تضم الهند والبرازيل وألمانيا واليابان، ومجموعة L69 التي تضم دولًا من أفريقيا وآسيا والمحيط الهادئ وأمريكا اللاتينية والكاريبي، والمجموعة الأفريقية التي تطالب بتخصيص مقعدين دائمين لأفريقيا في مجلس الأمن، مع حق النقض.

وقد سبق أن تم حشد الأصوات في الجمعية العامة للأمم المتحدة لصالح قرارات مهمة، مثل الاعتراف بدولة فلسطين، حيث صوتت 157 دولة لصالح الاعتراف بدولة فلسطين.

 إن هذه التجربة وغيرها تظهر أنه هناك إمكانية كبيرة لتحقيق إصلاحات إذا تمكن المجتمع الدولي من التوحد حول قضية الإصلاحات لمجلس الأمن الدولي.

حاليًا.. يتطلب صنع القرار في مجلس الأمن موافقة 9 من أصل 15 عضوًا؛ بما في ذلك موافقة الدول الخمس الدائمة العضوية (الولايات المتحدة، روسيا، الصين، فرنسا، والمملكة المتحدة)، هذا يعني أن أي دولة دائمة العضوية يمكنها استخدام حق النقض (الفيتو) لعرقلة أي قرار، حتى لو كان مدعومًا من قبل أغلبية الدول الأعضاء الآخرين.

إن من الإصلاحات المطلوبة المقترحة تشمل توسيع العضوية الدائمة لتشمل دولًا نامية، مما يعزز التمثيل العادل، كما تشمل تقييد استخدام حق النقض، مثل اشتراط موافقة أغلبية الدول الأعضاء قبل استخدام الفيتو. بالإضافة إلى ذلك، يمكن تعزيز دور الجمعية العامة في صنع القرار، مما يزيد من الديمقراطية في الأمم المتحدة بأن تتشارك الجمعية العمومية مع مجلس الأمن بنسبة 50% في التصديق على القرارات، هنا يتم تقليص سلطة مجلس الأمن لتكون مشاركة مع أغلبية الجمعية العامة المكونة من 193 دولة وهي النصف +1 فتتكون الغالبية.

علمًا بأن هناك محاولات إصلاح قد تمت في عام 2005، وقد فشلت المساعي بسبب عدم الاتفاق بين الدول الأعضاء الخمسة الدائمين حول توسيع العضوية الدائمة، وقد طالبت الدول النامية بمقاعد إضافية لتمثيلها، بينما الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة اعترضت على توسيع العضوية.

ويتضح من الدروس المستفادة من هذه التجربة أهمية التوافق الدولي حول الإصلاحات، وضرورة مراعاة مصالح جميع الدول الأعضاء، والحاجة إلى آليات جديدة لصنع القرار تزيد من الشفافية والفعالية. علمًا بأن الصين تدعم إصلاحات تزيد من تمثيل الدول النامية، وتطالب بمقعد دائم لأفريقيا، وكذلك روسيا تفضل إصلاحات تدريجية وتوسيع العضوية الدائمة. وأيضًا الإتحاد الأوروبي يدعو إلى إصلاحات تزيد من تمثيل الدول النامية وتحسين فعالية مجلس الأمن، والولايات المتحدة تفضل إصلاحات محدودة وتوسيع العضوية غير الدائمة.

إن فهم هذه المواقف ضروري لتحقيق توافق دولي حول الإصلاح. ويمكن تنفيذ الإصلاح من خلال تعديل ميثاق الأمم المتحدة، والذي يتطلب موافقة ثلثي الدول الأعضاء، بما في ذلك الدول الخمس الدائمة العضوية، كما يمكن إنشاء آليات جديدة لصنع القرار، مثل إنشاء مجلس أمن ممتد أو آليات استشارية إضافية.

وإصلاح مجلس الأمن سيؤدي إلى تعزيز الديمقراطية وتمثيل الدول الصغيرة والمتوسطة في صنع القرارات الدولية، كما سيؤدي إلى تعزيز قدرة الأمم المتحدة على حماية حقوق الإنسان والسلام والاستقرار في العالم، وعدم قدرة أي دولة على فرض إرادتها على دول العالم مستقوية بحق الفيتو.

وحسب ميثاق الامم المتحدة يمكن تحقيق ذلك من خلال حشد 128 صوتًا لصالح إصلاح مجلس الأمن، وتعديل ميثاق الأمم المتحدة. وبلا شك ان هذا سيؤدي إلى عالم أكثر ديمقراطية وتمثيلا، حيث تتمتع جميع الدول بحقوقها الإنسانية دون تمييز أو ازدواجية في المعايير.

وإصلاح مجلس الأمن سيؤدي إلى إلغاء سطوة حق النقض الأمريكي، وسيضمن أن جميع الدول تتمتع بصوت متساو في صنع القرارات الدولية، حينها اذا تمكنت دول العالم من تحقيق الاصلاحات بلا شك سيتكون خطوة كبيرة نحو عالم أكثر عدالة ومساواة.

وعليه، إننا ننادي بأنه على المجتمع الدولي أن يعمل على إصلاح نظام مجلس الأمن الدولي، لكي يمارس دوره بعدالة، مما سيخفض وينهي وتيرة الصراعات في العالم، لتتجه البشرية إلى عالم يسوده الاحترام المتبادل دون الكيل بمكيالين.

الأكثر قراءة

z