حيدر بن عبدالرضا اللواتي
منذ عدة عقود تبذل الحكومة جهودًا مضنية لتطوير القطاع السياحي وتوسيع الرقعة السياحية لتشمل كافة المحافظات، إلّا أن النسبة التي يُسهم بها هذا القطاع في الناتج المحلي الإجمالي مازالت متواضعة بحيث بلغت 2.7% في العام الماضي. وتهدف الجهات المعنية إلى زيادة هذه النسبة لكي تصل إلى 3.5% في عام 2030، وإلى 5.3% وفق رؤية "عُمان 2040".
وتوضح المؤشرات السياحية لوزارة التراث والسياحة أن إجمالي الناتج السياحي بلغ في العام الماضي 2.1 مليار ريال عُماني (5.4 مليار دولار أمريكي) فيما بلغت القيمة المضافة الإجمالية المباشرة للسياحة 1.1 مليار ريال عُماني خلال نفس العام. أما إجمالي الاستثمارات السياحية خلال الخطة الخمسية العاشرة فقد بلغ 2.6 مليار ريال. كما توضح البيانات أن البنية الأساسية للسياحة في تطوّر مستمر من حيث زيادة عدد الفنادق والغرف ومراكز الإيواء السياحية والشقق الفندقية وغيرها؛ حيث بلغ عدد الفنادق في عُمان 1022 فندقًا مع نهاية عام 2024، فيما ارتفع عدد الغرف الفندقية إلى 35331 غرفة فندقية؛ الأمر الذي ساهم في زيادة إنفاق السياحة الوافدة ليصل إلى 989 مليون ريال عُماني، منها 834 مليون ريال للسياحة المحلية. أما عدد النزلاء فقد بلغ 4.4 مليون نزيل، ناهيك عن 1.07 مليون زائر لموسم الخريف بصلالة لعام 2025.
وفي الجانب التراثي، تزدهر سلطنة عُمان بوجود الكثير من المعالم التاريخية والأثرية المستثمرة التي تعمل بجانب السياحة، بالاضافة إلى وجود عدد من المواقع التراثية والطبيعية في قائمة التراث العالمي. وهذه المعالم -بلا شك- تتضمن العديد من القلاع والأسوار، والحصون والمساجد، والبوابات والأبراج والبيوت التراثية وغيرها من المعالم التراثية.
وقد استقبلت البلاد خلال عام 2024 نحو 3.9 مليون زائر، فيما يمكن رصد زيادة ملحوظة في عدد الزوار للفنادق درجات 3 إلى 5 نجوم حسب تقرير العام الحالي، كما ارتفع عدد الضيوف خلال الأشهر الماضية بنسبة 9% مقارنة بنفس الفترة من 2024، فيما ارتفعت الإيرادات الفندقية بنسبة 18.2%. أما السياحة الداخلية فقد شهدت هي الأخرى نشاطًا ملحوظًا بحيث بلغ عدد الزوار المحليين في العام الماضي نحو 13.6 مليون شخص، الأمر الذي يعكس إقبال العُمانيين والمُقيمين على السياحة الداخلية.
وأمام هذا النشاط، تعمل الحكومة على تعزيز موقع البلاد على الخريطة السياحية العالمية من خلال مشاركتها الفاعلة في المعارض السياحية العالمية التي تُقام في المنطقة وفي دول آسيوية وأوروبية بغرض الترويج والتسويق للسياحة العُمانية، في الوقت الذي تبذل فيه الجهود لتطوير البنية التحتية والخدمات السياحية لتواكب تطور هذا القطاع الحيوي والتوسع الفندقي لكي يتمكن القطاع من استقبال الطلب المتزايد على السياحة.
وعليه يمكن القول إنَّ عُمان باتت اليوم وجهة سياحية واعدة ليست فقط على مستوى دول المنطقة فحسب؛ بل إنها تسعى بمختلف الوسائل لتثبيت حضورها على الخارطة السياحية العالمية، وتعمل على تعزيز النمو في عدد الزوار والإيرادات، والاستثمارات، والترويج الدولي للمواقع التي تتمتع بها، باعتبار أن جميعها تشكّل مؤشرات إيجابية.
وفي مقابل ذلك، تعمل الجهات المعنية على مواجهة التحديات التي تواجه السياحة في عُمان، وتعزيز نمو هذا القطاع وزيادة مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي في وجود هذه المواقع السياحية والتراثية. فكما نعلم أن عُمان تعتمد بصورة كبيرة على الأسواق الخليجية والإقليمية في جذب السياحة؛ حيث إن الكثير من الزوار القادمين هم أبناء دول مجلس التعاون الخليجي أو من دول مجاورة، مما يجعل السياحة عرضة لتقلبات اقتصادية وسياسية في المنطقة. كما إن تركيز القطاع ينصب على جذب فئة "السياحة الراقية" أو تأمين دخل من الفنادق الراقية من 3 إلى 5 نجوم؛ الأمر الذي يجعل عُمان- وفق وجهة بعض المحللين- باهظة التكلفة مُقارنة بدول المنطقة التي لديها تنوّع كبير لجذب شرائح سياحية واسعة. ويرى البعض أن البُنى التحتية والخدمات السياحية في بعض المناطق العُمانية غير كافية، وتحتاج إلى تحسين وتطوير مستمر خاصة في الوجهات الريفية أو الطبيعية من حيث تطوير وسائل النقل وتحسينها، وكذلك توفير المزيد من خدمات المرشدين، وتعزيز الرسائل الإعلامية والترويج والدعاية بمختلف اللغات الأجنبية.
لا ريب أنَّ هناك تنافسًا إقليميًا ودوليًا في قطاع السياحة؛ سواء على مستوى المنطقة أو خارجها؛ الأمر الذي يتطلب تنويع الوجهات والمنتجات السياحية بحيث يستطيع السائح الوصول إلى التنوع الطبيعي الذي تنعم بها عُمان من الجبال والسواحل والصحارى وتمكين الزوار من قراءة التاريخ ومعرفة الثقافة العُمانية، وجميعها تحتاج إلى بذل جهود لتنميتها وتسويقها من خلال تنويع الأسواق المستهدفة ودعوة محبّي الطبيعة والمغامرة، والاستمرار في التسويق الدولي من خلال حملات رقمية وبلغات متعددة، بالإضافة إلى تطوير منتجات سياحية متنوعة، وتطوير سياحة متوسطة/اقتصادية لبعض الفئات من خلال إقامة فنادِق ذات درجات منخفضة، وبيوت ضيافة، وتكون الرحلات بميزانيات معقولة وخدمات ترويجية لجذب شباب ومُغامرين.
وأخيرًا.. إنَّ تنويع المنتج السياحي في عُمان يمكن أن يُحقق الكثير للسياحة من خلال استغلال سياحة الطبيعة، والثقافة، والتراث، بحيث تصبح سياحة بيئية ومستدامة لكافة السياح في العالم.
