الوقت كنز الشباب المفقود.. هل نحسن استثماره؟

 

 

 

 

د. علي بن حمدان بن محمد البلوشي **

 

‎يُعد الوقت أثمن ما يملكه الإنسان؛ فهو الكنز الذي إن ضاع لا يُعوَّض، والعمر الحقيقي للإنسان يُقاس بما أنجزه فيه لا بعدد السنين التي عاشها. ويُعدّ الشباب أكثر الفئات حاجة إلى إدراك هذه الحقيقة، لأنهم يعيشون مرحلة القوة والطاقة والعطاء، وهي المرحلة التي تُبنى فيها الأحلام وتتحقق فيها الطموحات.

واستثمار الوقت وإدارته بشكل فعّال يمثل خطوة أساسية نحو النجاح، فالشاب الذي يعرف كيف ينظّم وقته هو الذي يسير بثبات نحو أهدافه، ويُوازن بين دراسته، وعمله، وحياته الاجتماعية.

‎لقد أولى ديننا الإسلامي العظيم عناية كبيرة بالوقت، وجعله أمانة ومسؤولية في عنق كل إنسان. قال الله تعالى: "وَالْعَصْرِ، إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ، إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ..."، في إشارة إلى أنَّ خسارة الوقت هي خسارة للحياة كلها. كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ"؛ فالصحة تمنحنا القدرة، والفراغ يمنحنا الفرصة، ومن يضيّعهما دون فائدة يخسر الكثير.

‎الاستفادة من الوقت تبدأ منذ الصباح الباكر، فاليوم المُثمر يبدأ مع صلاة الفجر؛ حيث الصفاء الذهني والنشاط الجسدي. في تلك الساعات الأولى يستطيع الشاب أن يخطط ليومه ويضع أهدافه بوضوح، ثم يشرع في تنفيذ المهام الدراسية أو العملية التي تتطلب تركيزًا عاليًا. ومع منتصف النهار، يمكن الانتقال إلى المهام التطبيقية أو الأعمال التي تحتاج إلى جهد أكبر، ثم يأتي المساء ليكون وقتًا مناسبًا للتعلم الذاتي أو ممارسة الهوايات أو المشاركة في نشاطات مجتمعية. وعند نهاية اليوم، من المهم أن يراجع الإنسان ما أنجزه، ويخطط لما سيقوم به في الغد، ليحافظ على توازنه واستمرارية عطائه.

‎ولنا في شباب هذا العصر نماذج مشرقة تُثبت أن النجاح ثمرة لتنظيم الوقت. فالشاب أحمد السالم مثلًا بدأ مشروعه الصغير في تصميم المنتجات الرقمية أثناء دراسته الجامعية، وكان يخصص ساعات الفجر للتخطيط وساعات المساء للتنفيذ، حتى أصبح يدير شركته الخاصة عبر الإنترنت. وكذلك سارة الحربي، طالبة جامعية استطاعت أن توفّق بين دراستها ومشروعها في صناعة الصابون الطبيعي، فحوّلت فكرتها الصغيرة إلى علامة تجارية ناجحة بفضل حرصها على إدارة وقتها بدقة.

‎إن الإسلام يذكّرنا دومًا بأنَّ الوقت مسؤولية يُسأل عنها الإنسان يوم القيامة، كما قال النبي الكريم: "لا تزول قدما عبدٍ يوم القيامة حتى يُسأل عن عمره فيمَ أفناه..."، وهذا دليل على أن كل لحظة من حياتنا لها قيمة، وأن الإنسان مطالب بأن يستثمرها في عمل نافع يعود عليه وعلى مجتمعه بالخير.

‎ولكي ينجح الشاب في إدارة وقته، عليه أن يضع خطة يومية واضحة، وأن يحدد أولوياته بحيث يبدأ بالأهم فالمهم، ويبتعد عن الملهيات التي تسرق منه الوقت مثل الاستخدام المفرط للهاتف ووسائل التواصل الاجتماعي. كما ينبغي أن يخصص وقتًا للتعلّم الذاتي وتنمية المهارات، وأن يمنح نفسه فترات راحة قصيرة لتجديد النشاط، ويُقيّم إنجازاته بشكل دوري ليعرف مدى تقدّمه ويُصحّح مساره عند الحاجة.

‎إنَّ الوقت ليس مجرد ساعات تمر؛ بل هو الحياة نفسها، ومن يدرك قيمته يستطع أن يصنع لنفسه مستقبلًا مشرقًا. فالشباب الذين يستثمرون أوقاتهم بعزيمة وتنظيم هم بُناة الغد وعماد الأمة، وحين نجعل من كل يوم فرصة جديدة للعطاء نكون قد أدينا رسالة الحياة كما أرادها الله تعالى: عملًا، وإنتاجًا، وتقدّمًا.

** مستشار أكاديمي

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة

z