أبوظبي- فايزة الكلبانية
أكد سعادة سعيد حمدان الطنيجي المدير التنفيذي لمركز أبوظبي للغة العربية أن برنامج "ليالي الشعر: الكلمة المغناة"، قاد دورًا حيويًا في إحياء التراث الثقافي والحفاظ عليه، وتعزيز الانتماء؛ كونه صاحب دور مهم في التعبير عن الهوية الثقافية ونقل قيم المجتمع وتقاليده عبر الأجيال.
وقال- في حوار خاص مع "الرؤية"- إن البرنامج يُسهم في حفظ الإرث الثقافي ونشره وتحفيز الأجيال الجديدة على تدارسه والبناء على ذخائره إبداعًا جديدًا في ضوء تغيرات العصر ومتطلباته. وأضاف أن برنامج ليالي الشعر يمثل مشاركة حقيقية في تعزيز المشهد الثقافي الخليجي، وتطوير الحراك الإبداعي في دول مجلس التعاون؛ نظرًا لأنه يعكس حالة إبداعية ذات خصوصية خليجية تعكس القيم المشتركة التي توحّد المجتمعات الخليجية.
وإلى نص الحوار:
- أطلق مركز أبوظبي للغة العربية برنامجًا مميزًا ضمن مهرجان العين للكتاب وهو "ليالي الشعر: الكلمة المغناة"، وهذه الدورة الثالثة للبرنامج، برأيكم ما أهمية الشعر الشعبي في المنطقة ولا سيما دول الخليج، وما دوره في تحفيز قيم الانتماء والحفاظ على التراث والأصالة التي كانت وستبقى عنوانًا راسخًا لأهل هذه المنطقة؟
تنبع أهمية الشعر الشعبي في المنطقة، من الدور الذي يقوده، بوصفه أحد أهم وأقدم الإبداعات الثقافية والإنسانية، والمؤشر الواضح على أصالة تراث المنطقة، وتاريخها، وثقافتها ووقائع الحياة فيها، وتمسك أهلها بتراث أجدادهم وهويتهم الوطنية.
لقد وقفنا على الأصداء التي خلّفها برنامج "ليالي الشعر: الكلمة المغناة"، وأسعدتنا الآراء التي وجدت أن البرنامج قاد دورًا حيويًا في إحياء التراث الثقافي والحفاظ عليه، وتعزيز الانتماء؛ كونه صاحب دور مهم في التعبير عن الهوية الثقافية ونقل قيم المجتمع وتقاليده عبر الأجيال. وبذلك يسهم البرنامج في حفظ الإرث الثقافي ونشره وتحفيز الأجيال الجديدة على تدارسه والبناء على ذخائره إبداعًا جديدًا في ضوء تغيرات العصر ومتطلباته. ونؤمن أن برنامج ليالي الشعر يمثل مشاركة حقيقية في تعزيز المشهد الثقافي الخليجي، وتطوير الحراك الإبداعي في دول مجلس التعاون؛ نظرًا لأنه يعكس حالة إبداعية ذات خصوصية خليجية تعكس القيم المشتركة التي توحّد المجتمعات الخليجية.
- وهذا يقودنا إلى السؤال عن "سر" نجاح برنامج "ليالي الشعر"، والإقبال الكبير الذي يحظى به، من مختلف الجنسيات، سواء بحضور فعالياته مباشرة، خلال المهرجان أو بمتابعتها عبر وسائل الإعلام، ومنصات التواصل الاجتماعي؟
لقد حرص مركز أبوظبي للغة العربية، عند إطلاق هذا البرنامج، على اختيار القصائد المغناة؛ لأنها الأكثر قربًا من ذائقة المجتمع، وهي بذلك تمثل بدقة الموروث الثقافي المشترك بين أفراده، لأنه مرتبط بوقائع حياتهم وبالقيم الاجتماعية والتقاليد الراسخة لديهم. ولعل هذا الاختيار كان السبب الرئيس وراء إقبال الناس على البرنامج ومتابعته.
أضف إلى ذلك التزامنا بتنويع فقرات "الكلمة المغناة"، والتزام أسلوب الجلسات التقليدي بكل ما يمثله من مضامين وقيم مع أهمية اختيار تجارب شعرية متمكنة من الكلمة، والأداء، والإلقاء، لأننا نخاطب جمهورًا رفيع الذوق متمكن من الفهم العميق للشعر، ولن يقبل بأقل من محتوى مبتكر وطرق عرض مميزة تحترم الهوية الثقافية واللغوية. ولهذه الأسباب مجتمعة لامس البرنامج مشاعر الجمهور وحقق متطلباتهم الثقافية، وميولهم الإبداعية، ولبى لديهم تعطشهم إلى هذا الإرث الثقافي المميز.
- على الرغم من وفرة الآداب والفنون والفعاليات المعاصرة الحديثة الجاذبة للجمهور، لا يزال "ليالي الشعر" بأجوائه التراثية، يحظى باهتمام لجمهور، وينافس ليس على نيل الإعجاب فحسب، بل على استحواذ مشاعرهم وإلهامهم؟ إلام تعزون هذا؟
هذه هي قوة الإرث الثقافي، وهذا هو الجوهر الذي تقوم عليه فكرة الصناعات الثقافية، الإرث الثقافي ليس ميراثًا ماديًا فقد اتصاله بشروط العصر، إنما هو تيار متصل من الوعي يربط بين الأجداد والأبناء، علينا أن نعيده إلى النسيج المعاصر ليواصل نموه وتطوره لكي تتمكن الأجيال الجديدة من البناء عليه والإضافة إليه. هذا الأمر يفسر إقبال الجمهور الإماراتي، وحتى الخليجي والعربي، على البرنامج، رغم ما اشرتم إليه من منافسة طروحات العصر الحديث. هذا الإرث الثقافي متصل بأواصر متينة داخل وذكريات إيجابية مرتبطة بالأجداد والآباء. وهو أمر يستشعره الجمهور، ويدركون أن هذا المنجز من الشعر والفنون الشعبية الإبداعية، تخصهم لأنها تخص أجدادهم وتعبر عن هويتهم وتميزهم.
- ما منطلقات الفعاليات التي يستند إليها برنامج "ليالي الشعر" في موسمه الحالي، ضمن مهرجان العين للكتاب؟
ينطلق البرنامج من رؤية المركز الإستراتيجية، والتي تهدف إلى دعم اللغة العربية، والتراث الثقافي العربي. وهنا يجدر القول إن الشعر "النبطي" والموروث الشعبي، وفنونه الثرية بتنوعها وجمالياتها، هي أحد أهم روافد التراث الثقافي العربي. وتنطلق الفعاليات بالتالي من مبادئ وثوابت تتصل بإحياء هذا الموروث، ودعم الشعراء، وإبراز إبداعات الروّاد المخضرمين، والمواهب الشابة، وتكريم الشعراء وإنجازاتهم وتجاربهم الشعرية المؤثرة.
ولدعم هذا الموروث ونشره، يتمّ تنظيم فعاليات متنوعة، من ضمنها، إقامة أمسيات شعرية، وجلسات تتناول لوحات من الفنون الشعبية في البيئات البرية والزراعية والبحرية، مثل (التغرودة، والونه، والرزفة) وغيرها، بحيث تستند هذه الفعاليات على توأمة الشعر مع فنون الأداء، ليستشعر الجمهور أصداء أصوات الأجداد.
أيضًا، ينطلق البرنامج من قيم تعزز الأصالة والوفاء، لذا يستحضر ضمن فقرة "الشخصيات الرئيسة"، أثر شعراء كبار فقدتهم الساحة الشعرية والتراثية، وفي مقدمتهم الشيخ سلطان بن زايد آل نهيان، الذي عُرف بعنايته البالغة بتراث الدولة وثقافتها الأصيلة، والشيخ الدكتور هزاع بن سلطان بن زايد، الشاعر الذي تغنّى بكلماته أبرز نجوم الإمارات والخليج، إلى جانب الشاعر حمد بن سهيل الكتبي، الذي كان فارس الأمسيات الشعرية، وركيزة من ركائز الحراك الثقافي في مجال الشعر الشعبي.
ويأتي تناول فعاليات البرنامج لقضايا الشعر ودوره في المجتمع، استنادًا إلى إعلان قيادة دولة الإمارات للعام 2025، عام المجتمع، وتماشيًا مع الرؤية الثقافية لإمارة أبوظبي، في صون ونشر التراث الإماراتي، وتشجيع الإبداع والمواهب لدى أبناء المجتمع، لتعزيز الهوية الوطنية، وتوفير بيئة ثقافية مستدامة.
- من خلال متابعنا لفعاليات مركز أبوظبي للغة العربية، بتنا نعرف أن أي جديد تطرحونه، لا يتوقف على مجرد زيادة في عدد الفعاليات، بل يحمل رسالة عميقة، فما جديدكم في برنامج "ليالي الشعر"، وما الرسالة من هذا الجديد؟
يشمل البرنامج الذي يترقبه عشاق الشعر، أكثر من 30 شاعرًا، ضمن 8 جلسات وأمسيات شعرية، تقام في قصر المويجعي مساء كل يوم، لكن لن تقتصر فقرات البرنامج على الشعراء المخضرمين فقط؛ بل يفتح البرنامج المجال لمشاركة المواهب الشعرية من الجيل الواعد، فئة الأطفال والناشئة، ويخصص لهم جلسة، تعود عليهم بفوائد عدة، فهي تطلق طاقاتهم الشعرية، وتبرز مواهبهم، وتكسبهم مهارات جديدة لدى سماعهم قصائد الشعراء، ويقفون على توجيهات الشعراء، فتتأصل موهبة الشعر داخل نفوسهم، ويتناقلونها إبداعًا جميلًا لا يقف عندهم، بل يتواصل بين الأجيال.
نحن في المركز، لا نكتفي بمقولة الإمام حسن البصري "العلم في الصغر كالنقش في الحجر"، بل نسعى أن يكون النقش في الأفئدة والعقول والنفوس، قوامه الموهبة من قِبل الأطفال، والدعم من قِبل مركز أبوظبي للغة العربية، والتوجيه والتصويب من قِبل الشعراء والنقاد المختصين. وبالتالي يتحول البرنامج إلى منصة لاحتضان المواهب، وتطوير مهارات التفكير الإبداعي لديهم، واستطلاع قدراتهم ومكامن قوتهم، للعمل على تعزيزها وتأهيلها.
ما يعني تحقيق رسالة المركز من تشجيع ودعم فئة الشعراء الأطفال والناشئة، في خلق أجيال موهوبة ومبدعة، وشغوفة بالقراءة، وكتابة الشعر، وابتكار الأفكار، تتمتع بشخصية متميزة، وثقة في النفس، لديها الجاهزية -مستقبلًا لممارسة دورها الإبداعي والثقافي المهم في المجتمع، والمشاركة في قيادة مسيرة التنمية المستدامة.
- يلاحظ أن اختيار شعراء الأمسيات في كل دورة من البرنامج، يتوافق غالبًا مع شعار المعرض أو المهرجان، أو ثيمة البرنامج، أو العناوين الكبرى للجلسات الحوارية، فما الضرورة الدافعة لذلك بتقديركم؟
نجد في التوافق بين شعار البرنامج، وفعالياته، ضرورة ملحّة، لضمان تقديم رسالة متسقة وجذابة، إذ يجسد الشعار جوهر البرنامج، ويوجه جلساته لتعكس وتدعم هذا الجوهر.
كما أن هذا التوافق يربط بين اختيار كل من شعراء الأمسيات والمتحدثين والمتحاورين والباحثين، مع موضوع البرنامج الرئيس، لهدفين، أولهما، إحداث تناغم جميل بين جميع عناصر البرنامج، بحيث تنصهر في بوتقة واحدة، لتقدم برنامجًا سمته الانسجام والتجانس. وثانيهما، تعزيز تجربة الجمهور من خلال فهمهم للهدف العام، أو العنوان الرئيس للبرنامج بشكل أسرع وأكثر عمقًا.
لذلك، وإلى جانب إيلاء أهمية كبرى لجوهر التجارب الشعرية لدى اختيار الشعراء المشاركين في البرنامج، فإن تموضع كل شاعر في الجلسة التي تناسب تجربته الشعرية، وطروحاته الفكرية، وأسلوبه الأدبي، وطريقته في إلقاء القصائد، تتم مراعاتها بما ينسجم مع موضوع البرنامج الرئيس، أو القضايا الأدبية، والجلسات الحوارية، والأنماط الفنية التي سيتم تقديمها.
ويركّز البرنامج، الذي يحمل شعار "من العين تُغنى القصيد"، في دورته الحالية بمهرجان العين للكتاب، على "المجتمع" ودور الشعر وتأثيره في تطور المجتمعات وتنوير أفرادها، وكيف شكّل الشعر جزءًا أصيلًا من الحياة اليومية، من خلال القصائد والمأثورات التي تحاكي مجتمع مدينة العين، بكل ما فيه من قيم نبيلة، وعادات أصيلة.
