قراءة في الخطاب السامي في يناير 2021

النهضة المتجددة تُعزز تمكين الشباب وتواكب الانفتاح المدروس

◄ التأسيس لمرحلة اقتصادية جديدة ترتكز على التنويع الاقتصادي

◄ الإشارة إلى الدور المركزي للشباب والدعوة إلى التشاركية وتضافر الجهود

◄ التركيز على الإصلاح التدريجي كفلسفة اقتصادية

◄ الاستجابة السريعة للمطالب الاجتماعية وعلى رأسها ملف التوظيف

◄ التأكيد على سياسة الحياد الإيجابي والابتعاد عن الاستقطابات الإقليمية

◄ جهود حثيثة للحفاظ على الهوية العمانية الأصيلة

الرؤية- ناصر أبو عون

اتسم الخطاب السامي لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفزه الله ورعاه- في يناير 2021 بالموازنة والتأقلم بين مرحلة النهضة المباركة "إرث السلطان قابوس" ومرحلة "النهضة المتجددة" المواكبة لمتغيرات العصر والثورة الصناعية الرابعة، كما أنه يمثل الخطوة الأولى للتحوّل من مفهوم الدولة الرّيعيّة والرعاية الأبويّة إلى دولة تتخذ من الكفاءة والخلفية الأكاديمية والعلمية وسيلة لتعظيم أدوات إنتاجها.

ويمكن قراءة هذا الخطاب في إطار "خارطة طريق" مستقبلية للسنوات المقبلة وقاعدة تأسيسية جديدة في الحُكم تقوم على الانتقال السلس للسلطة في عُمان ستعيشه الأجيال القادمة آمنةً مطمئنة، علاوة على أنه يحدد الخطوط العريضة لفلسفة اقتصادية جديدة تؤسس لمرحلة اقتصادية جديدة ترتكز على تنويع مصادر الاقتصاد، وفي القلب منها مشاريع الطاقة المتجددة والمشاريع التكنولوجية ومخرجات الثورة الصناعية الرابعة.

خمسة أهداف

ويحمل هذا الخطاب في طياته 5 رسائل سياسية تتضمن إشارات للداخل والمحيط الإقليمي والمجتمع الدوليّ يمكن سردها على النحو التالي: (1) تثبيت دعائم الاستقرار رغم صعوبة المرحلة. (2) التأكيد على الدور المركزي للشباب وهم الفئة والشريحة الأكبر من المجتمع العمانيّ، والأكثر تأثّرا بالتحولات السياسية والمتغيرات الاقتصادية العاصفة. (3) توضيح طبيعة العلاقة بين المواطن والدولة وتحوّلها من الرعاية الشاملة إلى شراكة ومسؤولية متبادلة. (4) شرعنة الإصلاح الاقتصادي وما يستتبعه من إجراءات تنظيمية وتقشفيّة. (5) استعمال لغة تطمينية لتثبيت الثقة في الإدارة الجديدة والدعوة إلى التشاركية وتضافر الجهود.

رسالة سياسية تواكب طبيعة المرحلة

 كان هذا الخطاب بمثابة رسالة سياسية للمواطنين تؤكد أنّ الأزمة المالية العالمية وانهيار أسعار النفط وتداعيات جائحة كورونا وتأثيرها على موازنات الوظائف، وتقلّص ميزانيات دول الخليج النفطية، تحتم ضرورة الإصلاح الهيكلي للاقتصاد العماني، وهي خطة طويلة المدى، كما أن جوهر الرسالة جاء تطمينيّا للمجتمع العُماني في جوهره بأن الغد أفضل على الرغم من إجراءات الإصلاح الاقتصادي والتي اتخذت عدة أشكال ومنها: ضبط وترشيد الإنفاق، وتفعيل ضريبة القيمة المضافة، وإعادة هيكلة الجهاز الإداريّ للدولة.

وركز الخطاب السامي على 4 سياسات هي: التوظيف وريادة الأعمال، وتحسين الأداء المالي، وتحقيق الاستدامة المالية، وأخيرًا وضع خطط للتحفيز الاقتصادي.

الإصلاح التدريجي

في هذا الخطاب، أطلق جلالة السلطان- أعزه الله- مصطلح "النهضة المتجددة"، وهو مصطلح مركّب وينطوي على فكرة جوهرية ذات جناحين، الجناح الأول: استمرار النهضة المباركة التي رعاها السلطان قابوس -طيَّب الله ثراه- والجناح الثاني: دعوة إلى التطوير والتحديث والتغيير البنيويّ إداريًّا واقتصاديا.

واتخذت فلسفة السلطان هيثم- أبقاه الله- اتخذت من الإصلاح التدريجي في سياق "ماضٍ مستمر" منهجًا وبديلًا عن الإصلاحات الجِذْريّة قد ينجم عنها صدمة لمواطن اعتاد رتابة الحياة، ومن هذه الإصلاحات التي وَعَاها المواطن وفهم مغزاها وتأقلم مع مقتضياتها: دمج الهيئات الحكومية المتشابهة والوزارات المتقاربة في خدماتها وطبيعة وظيفتها، وتسريع وتيرة مشروع الحكومة الإلكترونية، وإطلاق رؤية 2040، وتشكيل حكومة تنفيذيّة جديدة.

ملف التوظيف

ظهرت العديد من المبادرات التي تساهم في حلحلة ملف الباحثين عن عمل، وذلك من خلال تفعيل التشغيل المقرون بالتدريب للشباب، ودعم القطاع الخاص ليستوعب القدر الأكبر من الباحثين عن عمل، وتمكين المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وتطبيق برامج القيمة المحلية المضافة، وتطوير برامج التدريب.

ولذلك، فإن الخطاب السامي لم يكن الخطاب مجرد حديث عن القضايا الاقتصادية، بل استجابة سياسية سريعة للمطالب الاجتماعية.

رسالة للمجتمع الدولي

جاء خطاب المقام السامي ليؤكد على رسالة عميقة المعنى وهي: "أولويتنا تتمثل في إعادة ترتيب البيت الداخلي وعين اهتمامنا على تنمية الداخل.. ونسعى إلى النأي عن الاستقطابات الإقليمية، والحفاظ على مكتسبات سياسة الحياد الإيجابي التي رسختها الدولة العُمانية طوال تاريخها الحديث، وإقامة علاقات متوازنة مع سائر الأطراف في الإقليم".

مواجهة الكوارث المناخية

ونظرا لأن سلطنة عُمان خلال الثلاثين سنة الأخيرة تعرضت لموجات عنيفة من الأعاصير والمنخفضات الجوية شديدة الخطورة مثل العاصفة المدارية (أشوبا)، وإعصار (شاهين)، و(ميكونو) ومن قبلهم (جونو)، وأصبحت تشغل حيزًا من ذاكرة العمانيين وعقلهم الجمعي ووعيهم الاجتماعي، لذا كان الخطاب السامي سبّاقًا في النظر إلى هذه الملف كقضية أمن وطني، ومن ثمّ دعا إلى "العناية بالتخطيط الحضري" على مستوى عالٍ، و"تطوير منظومة الإنذار المبكر" و"التنسيق مع دول الجوار" في مواجهة التداعيات.

التركيز على الهوّية

لقد سعى الخطاب السامي إلى تحقيق توازن بين مسارين: "التأكيد على الهويّة العُمانية الراسخة رسوخ الجبال" وما يتبعها من الحفاظ على منظومة القيم المتوارثة و"الانفتاح المدروس على العصر الجديد". وجاء الخطاب ليؤكد على نقاط استراتيجية، هي: الدعوة إلى الحفاظ على الخصوصية الثقافية للمجتمع العماني، والحذر من تأثير منصات التواصل الاجتماعي على العقل والوجدان وخاصةً في ظل الموجات المتسارعة من العولمة والتي تلقي بظلالها على أفكار الشباب وتسعى إلى تغيير مفاهيمهم التربوية.

الأكثر قراءة

z