حادثة العامرات.. الحقيقة والشائعة

 

 

 

خلفان الطوقي

 

 

أتحدثُ عن الحادثة التي ضجَّ بها المجتمع عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وتوفي فيها 6 أفراد من عائلة واحدة- رحمهم الله-، لاقت تفاعلًا كبيرًا إلى أن تحدث عنها بعض النشطاء من خارج عُمان، وغرد فيها المئات من المغردين، وكتب فيها المئات أيضًا، ونشر وأعاد النشر آلاف الأشخاص.

أجزمُ أن الجميع -دون استثناء- تأثَّر بهذه الحادثة، وقد سبقت هذه الحادثة حوادث عديدة تفاعل فيها المجتمع بشكل كبير، منها فعالية الجالية الهندية في حديقة العامرات بحضور رئيس وزراء كيرلا، وقبلها وفاة عدد من الأطفال أثناء خوضهم للوادي في إحدى الولايات التابعة لولاية المضيبي، وغيرها عدد من الحوادث المشابهة.

التفاعل صحيٌ، وطرح وجهات النظر متوقع وطبيعي، لكن للنظر في مثل هذه الحوادث فهناك نقاط مشتركة؛ وأهمها: هناك من يطلق الشائعة، وهناك من يبني على الشائعة لتكن شائعة مُركَّبة، وهناك من يضفي على الشائعة حبكة درامية، بعدها تنتقل الشائعة إلى مرحلة النشر، ويقوموا بها آلاف المتطوعين، وتنتقل الحبكة الدرامية في دقائق كالنار في الهشيم، ومن ثم تنتشر وكأنها الحقيقة المطلقة حتى وإن كان ما نُشر حبكة هزيلة غير منطقية.

إنني هنا أتطرق للموضوع من زاوية مُحددة، فقد سبقني من تطرق إليها من جوانب أخرى، والزاوية التي أُحاول التعاطي معها عبارة عن تساؤلات تحتاج إلى أن نقف عليها؛ وهي: أولًا: مطلقو الشائعات، وهنا لا أتحدث عن حادثة العامرات الأخيرة، إنما الحديث عام.

يستوقفني في مثل هذه الحوادث أن من أطلق الشائعة، ومن بنى عليها، ومن تبنَّى مثل هذه الروايات القائمة على شائعات له هدف فيها، في أفضلها زيادة أعداد المتابعين على وسائل التواصل الاجتماعي، وأسوأها الإساءة إلى أي جهد تقوم به أي جهة حكومية. والعجيب أن معظم مُطلقي الشائعات يختفون بعدما تتبين لهم الحقائق، وكأنَّ الموضوع لا يعنيهم، وليس مهمًا لديهم عواقب الأمور مهما كانت خطيرة أو حساسة، وكأنما هو معنيٌ بالجزء الذي يخص الخراب والإثارة والإساءة، أما غير ذلك، فلا علاقة له به؛ بل- هو أو هي- في بحثٍ مستمرٍ عن إثارة جديدة.

لا بأس في أي مجتمع حي- مثل عُمان- من النقد والتحليل وإبداء وجهات النظر، شريطة الإلمام بالحقيقة الكاملة؛ بل من الواجب على كل فرد من أفراد المجتمع المساهمة بكل ما يدعم المُشرِّعين ومتخذي القرارات والتنفيذين؛ فالبلد ملك للجميع، خاصةً وأننا نعيش في ثورة تكنولوجية غير مسبوقة، والقادم في هذا المجال لن يكون سهلًا، وتطور التكنولوجيا لن يُصدقه عقل، ومن الواجب التمييز بين مُطلقي الشائعات، وبين الحكماء المُحلِّلين العقلانيين ذوي الرزانة والحصافة؛ فالفئة الأولى (مُطلقو الشائعات) لا بُد من معرفة مصادر أخبارهم، ومعرفة غاياتهم، وتطبيق نصوص القانون عليهم. أما الفئة الثانية؛ فالمطلوب من الحكومة الاستماع إليهم، وتحليل ما يكتبون، والاستفادة من أفكارهم العميقة وتحليلاتهم الناقدة والبناءة، والمبنية على أُسس علمية وخبرات تراكمية عملية، وهكذا تبنى الأمم محافظةً على ديمومة التطوير والتحسين.

من المؤكد أن هناك فرقًا شاسعًا بين حرية التعبير ومُطلقي الشائعات التي تستهدف جذب الانتباه وإثارة البسطاء والإساءة للمؤسسات، ولا يمكن بكل حالٍ من الأحوال الخلط، وإن حصل خلط فإن ذلك يعني المساواة في تطبيق القوانين، والحل يكمن في تدارك ما يمكن تدرُكه مبكرًا، فكلما كان التدخل مبكرًا، أصبحت المفاهيم واضحة، وسلوكياتنا مسؤولة، من أجل أن تكون الأمور جميعها تحت السيطرة.

الأكثر قراءة

z