عروس مُهداة للنيل (9)

 

 

 

مُزنة المسافر

 

موالٌ بعد موالٍ، يشرح الحال، وهل يعلم المزمار أن يغني للمحال؟ من سيعود؟ هل ستعود ابنة الشيطان؟ وهل سيعود معها رأس الثعبان؟ لقد غادرت ووافقت أن تروح نحو نجوم الهاوية، لقد كانت هناك عالية، حتى رصدتها العيون الناطقة بالحنية، وقالت لها: وحياتك لتبقي يا سنيَّة.

في رُحى الشوق، وفي آنية منسية.

وفي قُلة مليئة بأثواب البهجة العلوية.

بخْترُتك صارت عطرية، وهل أحلامك يا روحي وردية؟

عبدالرؤوف يُبعد الذبابة المزعجة التي تحوم أمام عينيه، ناموس وذبابات كثيرة اعتادت مؤخرًا أن تؤرق مضجعه وتزعج فؤاده على الدوام في المقهى.

صاحب المقهى: مالك يا أفندينا؟

عبدالرؤوف: مفيش.

صاحب المقهى: قهوتك إيه النهرضة؟ وسط؟

عبدالرؤوف: هاتها بالحبهان (الهيل).

خطوة عزيزة يا نوسة، لكن الدنيا لن تعيرك أي اهتمام يا حلوة، لقد انشغلت في هموم كبيرة، وصرتِ أنتِ في مشهد صغير، ليس فيه أي بطولة، جئتِ مع رمزي بالعربية، إنه يقود بكبريائه بالطبع، وماذا عن أفكاره وسط هذا النهار الطويل؟

رمزي: شكرًا لوجودكِ بقربي.

نوسة: مش مشكلة يا رمزي بيه.

رمزي: بلاش بيه رمزي وبس، عشان إحنا بقينا قريبين من بعض.

يا بختك يا نوسة، ماذا تعرفين عن القرب؟ اقتربي أكثر من شعوره، كنتِ ستخرجين من العربية بفستان الإفرنجية ولك قصة شعر وتسريحة وحقيبة تلمع، وحذاء ينصع؛ بل هو كعب عالي، هل لتتعالي على أهل القرية؟، لكنكِ لازلتِ بالجلابية وبمنديل أبو أُوية، والكحل يلون عينيك لونًا ليس فيه تبديد للغزل الذي يقدمه رمزي في خاطره العميق: عينيكِ حلوة أوي.

رمزي يحمل الحقيبة ويحضر نفسه أن يتحدث مع أهل المكان، تخبره نوسة أن سلامه وصل وعليه أن يغادر، الدجاجات تتخانق فيما بينها حول الحبوب وربما حول نعيمة التي تخترق هذا الخناق سريعًا بسؤالها هذا.

نعيمة: مين إلِّي بيخبَّط؟

صوت خجول خلف الباب: أنا.

هي!، هي نفسها التي جريت وهربت، ورحلت لكنها تعبت وعادت يا نعيمة، سامحيها.

نعيمة: كنتِ فين يا مقصوفة الرقبة!

نوسة: يعني حكون فين؟

نعيمة: الناس كانت بتخبط عليا كل يوم بتسألني حصل إيه.

نوسة: حصل كتير.

حصل وحصل، لقد رأت الموت يا نعيمة، البندقية كانت ستصوب رأسها، والعيون اللائمة لا تفهم الكرامة، ولا تدرك أن يكون المرء في سلامة، دعيها تدخل قبل أن يحل العار.

ويجد له معبرًا عبر أفواه الناس.

ويا نعيمة الناس أجناس.

في نفس الليل الذي زار الشوق فيه رمزي بيه، وطلب من نوسة أن تجهز مركب الضياع، لتضيع بين مياه الغلبة، لأن رمزي يسمع الناي يغني للفلاحين ليطلب منهم أن يغيبوا في أعمالهم، وأن يغيب هو ونوسة في نغم الشعور، وأنه يشعر وسيحضر أمام مذبح المُحبين.

ليقدم أجمل القرابين للنيل.

وهل سيقدمكِ أنت يا نوسة قربانًا يرى الغياب في سنين؟

وهل ستسقطين؟ 

وتروحين للتيار يا ستَّار، قلبه جعلكِ تمضين للغرق، وناره التي يوقدها أمام عينيك هي نار غيرة مستمرة، وشك ليس فيه نهاية ولا بداية، وما ذنبكِ يا حلوة؟، أن تكوني جنون عمره وصوت قلبه الذي يخفق دائمًا بالحب.

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة