عروس مُهداة للنيل (13)

 

مُزنة المسافر

استيقظي يا عزيزة، استيقظي يا حلوة، لا بُد أن تستفيقي من أوهام بشرية، لقد غلفكِ الفضول والمجون، إنه الجنون أن تحبي ابن البيه الكبير، لقد ظلم الكثير.

كانت نوسة شبه نائمة، وهي تستمع لعروس النيل بملابس مصر القديمة، تُفيقها من سبات عميق أو من حلم بعيد، ما الذي جاء بها الآن؟ لماذا عادت؟ ماذا أرادت؟ وماذا تريد في التوِّ منها؟

عروس النيل: القربان يا نوسة لم يتم بعد للنيل، والنيل اختارك يا حلوة أن تكوني قربانه في اللحظة.

نوسة: لقد جننتِ يا امرأة.

عروس النيل: الوعد وعد، وليس فيه عودة أو رد يا حلوة.

نوسة: لقد غبتِ عني.

عروس النيل: غبت لأعود بجواب كبير، أن تكوني القربان القادم، حين يكون رمزي هو النائم.

تخرج عروس النيل من غرفة نوسة في منزل العريش، تحمل نوسة القنديل بعيدًا عن السرير وتلحق بعروس النيل، تصدح نوسة عاليًا.

نوسة: أنتِ تغارين من حب رمزي لي؟! قولي ذلك.

عروس النيل: أنتِ مخبولة، أنه يحبك! هو يحب المال والسلطة، ولن يترك السراي من أجلك.

نوسة: وعرفتِ إزاي؟

عروس النيل: نحن نعرفهم جميعًا، إنهم يعيشون ليطحنوا الآخرين، صدقيني.

غابت عروس النيل وسط ظلام دامس، وبات قلب نوسة هو العابس، لماذا تخبرها هذا الكلام؟ هل هو الصيام عن حب رمزي من جديد، ولماذا تذهب هي للنيل الذي لا يعرفها؟ وهل تغرق فيه كلعنة كافية أن تنقذ أبناء القرية من ظلم أهل السراي.

لقد فكرت بالشربات والفرح، وراحت بعيدًا في شعورها نحو ناي وخلاخيل وطقطقة وفرقعة للبنادق في الهواء، وخصر يميل نحو الإيقاع، وهل تحلم بأكثر من هذا؟

أم تكتفي هنا وتبكي أن قلبها سيتقطع، وستودع رمزي ونعيمة وعبد الرؤوف وأحمد ومريم، ولوزة وحمدي المجنون، وبطة والأراجوز.

كلهم جزء من حكاية الحب هذه، كلهم يعلمون أنه يكن الود لها، ويحبها ويرغب في قرب جميل، ليس له مثيل كما هي الحكايات القديمة والرموز الشعبية والأفكار المنسية.

فهل ستصبح حكايتها محكية؟

لمن؟ لأهل النيل، للغرقى، للعطشى، للمائلين للاختباء والاختفاء وسط تيار سريع، لا يرحم.

هل ستلقي بنفسها هناك؟ من أجل شبح يتكلم معها، عروس النيل هذه وَهْمٌ كبير أم ظل يلاحق نفسها.

هل ستقول لرمزي هذا الكلام؟

كيف تخبره أنها ترى الأشباح؟

بَكَتْ نوسة، بكاءً فيه حرقة، فيه زعل كبير على نفسها التي صدقت أن رمزي حولها، لكنه هنا في عقلها يسكن، وفي قلبها يقطن، وفي عيونها لا ترى غيره، يااااه من حبه يا نوسة، لا تضيعيه، لا تبدديه، لا تبدليه بفكرة أخرى، بآخرة ليس فيها عودة.

وهل سيعود رمزي؟

أم أنه لم يغادر أبدًا مساحة الحب التي يعرفها جيدًا، إنه لاعب جيد يا نوسة، لكنه لاعب خفة.

ساحر وماهر، ورجل ماكر يستطيع أن يمثل وأن يبدل كل شيء في لحظة.

ألقي بنفسك مع العار الذي جلبه لكِ، مع الآلام والأوهام التي غرسها في روحك يا حلوة.

إنكِ فانية، وستنكسرين كآنية يا رقيقة، صدقيني يا صديقة أنه لن يغيب.

لكنكِ ستتركين المكان وتنسين الزمان، وتذهبين للماء والتيار وستكونين أخيرًا القربان الذي فيه نهاية غريبة لكِ يا جميلة، النيل بانتظارك.

كفاية عناد، يكفي لن تعودي للأحزان.

كوني في الحال القربان يا سنية.

حتى تكوني أبية، وحينها فقط لن يهينك أحد.

هذا وعد الماء لكِ للأبد.

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة

z