‏قَلَّ انكار المنكر.. فأصبح إنكاره مُنكرًا

 

 

 

سالم البادي (أبو معن)

 

 

في عالم اليوم، حيث تتشابك الأخلاق والقيم، يصبح فهمنا لما هو صواب وما هو خطأ أمرًا بالغ الأهمية.

إن المفهوم الذي يقول "قل إنكار المنكر، فأصبح إنكاره منكرًا" يطرح تساؤلات عميقة حول طبيعة الصواب والخطأ، وكيف يمكن أن تتغير هذه المفاهيم بمرور الوقت.

في جوهره، يشير هذا القول إلى أن محاولة تغيير أو معارضة ما يُنظر إليه على أنه خطأ يمكن أن تتحول في حد ذاتها إلى فعل خاطئ. هذا يمكن أن يحدث لأسباب مختلفة.

ربما تكون الأساليب المستخدمة في محاولة التغيير قاسية أو غير فعالة، أو ربما تكون دوافع الشخص غير نقية، وبالمثل يمكن أن يؤدي الجهل أو التحيز إلى قيام الشخص بإدانة شيء ما على أنه خطأ، في حين أنه في الواقع ليس كذلك.

إذن، هذا الأمر يؤدي إلى أننا يجب أن نكون على دراية بالتعقيد المتأصل في الحكم على الأمور، وبالتالي يجب علينا أن نتحلى بالصبر وعدم الاستعجال، ونعترف بأننا قد نكون مخطئين. كذلك يجب أن نكون حذرين بشأن أفعالنا، وسلوكياتنا والتأكد من أن أساليبنا متناسبة وفعالة، فضلا.. أن نكون على استعداد لتحدي افتراضاتنا الخاصة، وأن نكون منفتحين على وجهات نظر مختلفة.

 "قَلَّ إنكار المنكر، فأصبح إنكاره مُنكرًا" هو تذكير قوي بأهمية التفكير النقدي، والوعي الذاتي، والتعاطف في عالمنا المعقد.

وهناك عدة عوامل أدت الى انتشار هذه الظاهرة ومنها على سبيل المثال لا الحصر:

أولا: ظاهرة اللامبالاة

انتشرت ظاهرة "اللامبالاة في المجتمعات، حيث أصبح إنكار المنكر سلوكًا غير مقبول وغير محمود، وقد يعرض صاحبه للخطر أو الانتقاد، يُمكن تقسيم الأمر إلى سببين: السبب الأول يتعلق بضعف الثقافة الدينية والمدنية للمجتمع، حيث لا يستطيع كل فرد الدفاع عن نفسه، كما أن غالبية أفراد المجتمع قد لا يشعرون بالمسؤولية تجاه المنكر، مما يؤدي إلى إنكار المنكر بشكل عام. السبب الثاني يتعلق بالتغيرات الاجتماعية والثقافية في العصر الحالي، حيث أصبح إنكار المنكر يعتبر سلوكًا سلبيًا ومصدرًا للاحتقار والانتقاد بدلًا من أن يكون واجبًا دينيًا واجتماعيًا.

ثانيا: ضعف الوازع الديني والأخلاقي في المجتمع، الذي يؤدي إلى انعدام الشعور بالمسؤولية تجاه المنكرات التي يراها الفرد. وبسبب عدم وجود ثقافة دينية ومدنية قوية وراسخة، قد يفقد المجتمع سمات حميدة مثل التعاون والتعاضد والتراحم، ويجعل الشخص الذي يحاول إنكار المنكر معزولًا عن الآخرين.

ثالثا: المخاوف؛ ففي ظل الظروف الراهنة، قد يخاف بعض الأفراد من عواقب إنكار المنكر، حيث قد يعرضه الانتقاد أو حتى الأذى، وهذا قد يؤدي إلى تقبلهم للمنكر، بدلًا من إنكاره.

رابعا: التغيرات الاجتماعية المتسارعة. تطور وسرعة التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي، على سبيل المثال، غيرت طريقة تفاعلنا مع العالم، مما أدى في بعض الأحيان إلى انتشار قيم مختلفة وفاسدة ومخله بالآداب والقيم والمبادئ والأخلاق الإنسانية.

وقد أثَّرت التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي وغيرت طريقة استهلاكنا للمعلومات والتفاعل مع الآخرين.

في كثير من الأحيان، نشهد انتشارًا سريعًا للأخبار والمعلومات غير الدقيقة والاشاعات، وحتى المضللة، مما يؤدي إلى تشويه القيم والمعايير الأخلاقية، بالإضافة إلى ذلك، أدت وسائل التواصل الاجتماعي إلى خلق بيئة قد تشجع على المقارنة الاجتماعية، مما يؤدي إلى الشعور بعدم الرضا والضغط النفسي.

خامسا: غياب القدوة. غياب القدوة والقيادة الأخلاقية والتوجيه السليم، عندما تفتقر المجتمعات إلى نماذج يحتذى بها، قد يجد الناس صعوبة في تحديد المسار الصحيح، وتختل الموازين وتغيب البوصلة.

سادسا: العوامل الاقتصادية. تلعب العوامل الاقتصادية دورًا كبيرا وحيويا في تحسين اوضاع المجتمعات ورفع مستوى المعيشة، بالمقابل يمكن أن يؤدي انتشار الفقر وعدم المساواة وغياب العدالة الاجتماعية إلى تفاقم المشاكل الاجتماعية والصحية، مما يجعل من الصعب على الناس التركيز على القيم والأخلاق.

سابعا: الجهل. انتشار الجهل يؤدي إلى نقص الوعي والمعرفة، مما يجعل الناس عرضة للتلاعب والتضليل، ويعيق القدرة على اتخاذ قرارات مستنيرة تخدم البشرية وتقل مشاركاته الفعّالة في المجتمع.

ولإعادة توجيه بوصلة المجتمعات وتعزيز القيم الأخلاقية، يمكن تنفيذ عدة حلول:

1. التعليم الأخلاقي: إدماج برامج تعليمية شاملة في المدارس والمجتمعات تركز على القيم الأساسية مثل النزاهة، والاحترام، والمسؤولية الاجتماعية.

2. تعزيز القيادة الأخلاقية: دعم وتدريب القادة في مختلف المجالات (السياسة، الأعمال، المجتمع المدني) ليكونوا نماذج يحتذى بها في السلوك الأخلاقي واتخاذ القرارات الصائبة.

3. تفعيل دور المجتمع المدني: تشجيع منظمات المجتمع المدني على لعب دور نشط في التوعية، والدعوة إلى التغيير، والرقابة على سلوك السلطات والمؤسسات.

4. تعزيز الشفافية والمساءلة: تطبيق آليات شفافة لمكافحة الفساد، وضمان مساءلة المسؤولين عن أفعالهم، وتوفير سبل للتبليغ عن المخالفات.

5. دعم الإعلام المسؤول: تشجيع وسائل الإعلام على نشر محتوى يعزز القيم الإيجابية، والتحقق من الحقائق، وتجنب نشر الأخبار الكاذبة أو المحتوى الذي يثير الانقسام.

6. بناء مجتمعات متماسكة: تعزيز الحوار والتفاعل بين أفراد المجتمع، وتشجيع التنوع، ومكافحة التمييز والعنصرية، وبناء جسور الثقة والتفاهم.

7. تنمية الوعي: رفع مستوى الوعي العام بأهمية القيم الأخلاقية وتأثيرها على الفرد والمجتمع، من خلال حملات توعية مستمرة واستخدام وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي.

8. تعزيز الثقافة الدينية والمدنية: يجب على الأفراد والمجتمعات تعزيز الثقافة الدينية والمدنية، ورفع مستوى الوعي بأهمية إنكار المنكر.

9. تحفيز الفرد على إنكار المنكر: يجب تحفيز الأفراد على إنكار المنكر، وتوعيتهم بأهمية هذا الأمر، خاصة في ظل الظروف الراهنة.

وأخيرًا.. يمكن القول إنَّ عبارة "قلّ إنكار المنكر، فأصبح إنكاره منكرًا" تعكس ظاهرة سلبية تتطلب جهودًا مشتركة من الأفراد ومؤسسات المجتمعات المدنية والمؤسسات التعليمية والحكومات ووسائل الإعلام المختلفة لمحاربتها، وتحقيق الهدف المنشود.

ويجب ان نتذكر أن النهي عن المنكر هو جزء من الأوامر الإلهية، إلى جانب الأمر بالعدل والإحسان، ويأتي هذا النهي ليعظ الناس ويتذكروا، قال تعالى: "إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ" (النحل: 90).

الأكثر قراءة