الآن.. وليس غدًا

 

 

 

ريم الحامدية

reem@alroya.info

 

في أحد مساءات نوفمبر، كانت النسمات مُحمّلةً برائحة الشتاء الأولى، وجدتُ نفسي أتوقف قليلًا عن صخب المهنة. مهنة الصحافة التي تبتلع ساعاتنا، وتجعلنا نعبر يوميًا بين مئات الأخبار والقصص، حتى نكاد ننسى قصّتنا نحن، وفي لحظة خاطفة، تسلّل إليّ سؤال لم أستطع تجاهله: هل نعيش اللحظة حقًا؟ أم أننا نمضي في الحياة كما اتُّفق، لا كما نُحب؟

بدوْتُ وكأنني أهرب من كل شيء، واتجهت إلى البحر. افترشتُ السجادة الخضراء التي تحمل الكثير من المعاني التي لم أشعر بها قبل ذاك على الرمل البارد، ومن حولي عشرات الأشخاص؛ هذا جاء مع عائلته، وذاك مع أصدقائه، وآخر ُيمسك يد من يحب. مشهد واسع، لكنه مليء بتفاصيل صغيرة تُطمئن القلب، كلٌ يعيش لحظته وكأنهم جميعًا تذكروا شيئًا نسيتُه أنا وأنت في زحام الأيام.

جلستُ ما يُقارب الساعتين دون أن أعي الوقت، أراقب حركة الموج، وأستمع لهدير الماء وهو ينساب على الشاطئ كأنه يروي حكاية قديمة، كنتُ أتساءل بينما الوقت يمضي، والساعة تشير إلى الحادية عشرة مساءً بتوقيت برج الصحوة.

هل نعيش كما نُريد؟ هل نقدّر اللحظات حقًا؟ ولماذا نسمح للأعمال أن تبتلع أيامنا؟ لماذا نسكت الجانب الذي يريد أن يعيش؟ لماذا نخسر جمال اللحظات البسيطة لصالح ضغوط لا تنتهي؟

لم أكن أبحث عن أجوبة كبيرة، كنت أفتش فقط عن معنى بسيط، معنى يشبه تلك الجلسة الهادئة، معنى يقول إن الحياة ليست في الإنجازات الضخمة فقط، ولا في الركض وراء المهام؛ بل في التفاصيل الصغيرة التي تمنحنا القدرة على الاستمرار.

أن نفعل ما نحب دون تكلف، أن نتنفس، أن نتوقف قليلًا لنسمع أنفسنا وربما، كل ما نحتاجه أحيانًا هو ليلة مثل تلك؛ بحر، وسجادة خضراء، ونسمة نوفمبر، وسؤال يعيد ترتيب أفكارنا: هل نعيش اللحظة… أم نكتفي بالمرور على أطراف الحياة؟!

نتساءل جميعنا كم مرة تجاهلنا مشهدًا جميلًا لأن عيوننا كانت غارقة في شاشة هاتف أو ذهننا مشغول بموعد؟ كم مرة مررنا بقرب لحظة كان بإمكانها أن تمحنا السلام لكننا أخترنا أن نؤجلها؟ وكم مرة أخبرنا أنفسنا بأنَّ "الراحة ستأتي بعد إنجاز هذا العمل" ثم اكتشفنا أن عملًا آخر ينتظرنا؟

الضغط لا ينتهي والعمل لا ينتهي.. لكن اللحظات الجميلة إن لم نعشها ستنتهي ولن تعود.

خرجتُ من تلك الليلة بقناعة واضحة.. أنَّ العيش الحقيقي للحظة يبدأ حين نقرر لا حين يسمح لنا الوقت، وفي النهاية تعلَّموا أن تُمسكوا بالحظة قبل أن تفلت، وأن تلتقطوا أنفاسكم وأنتم في خضم الركض، أن تقولوا لأنفسكم "هذا الوقت لي، وهذه الحياة لن تتكرر بهذه الطريقة مرة أخرى"، لا تنتظروا الوقت المناسب؛ فالمناسب هو ما تهدونه أنتم للوقت، عيشوا الآن بكل ما فيكم، كأنكم تكتبون سطرًا أخيرًا في يوم يستحق أن يُروى.

الأكثر قراءة