عهدٌ من النور للسيدة الجليلة أم الوطن

 

 

 

هند الحمدانية

أشرقت في سماء عُمان شمس جديدة، خرج نورها من قلب امرأة آمنت بأنَّ الوطن أمٌ، وبأن العطاء صلاة، فكان عهدها عهد النور، لم يكن عام 2020 مجرد انتقال في الحكم؛ بل ولادة لحضور أنثوي مهيب، حين أطلت السيدة الجليلة عهد بنت عبدالله البوسعيدية حرم جلالة السلطان المُعظم- حفظها الله ورعاها- فغدت رمزًا للأمومة الوطنية، ووجهاً للرحمة التي ترعى الجميع بصدق القلب وسُّمو الروح.

منذ تلك اللحظة أدرك العُمانيون أنَّ الوطن لا يُبنى بالحكمة وحدها؛ بل أيضًا بالحضور الذي يسكب الطمأنينة على أفئدة الشعب وبالقلب الذي يحتضن أبناءه وبناته كأم تمد دفئها للجميع، فجاءت السيدة الجليلة لتجعل من الأنوثة لغة قيادة، ومن الرحمة فلسفة نهضة، ولتقول للعالم إنَّ في عُمان امرأة تشبه الوطن بهدوئه وكرمه وعطائه.

سارت عُمان بخطى ثابتة نحو رؤيتها المستقبلية، فجاءت السيدة الجليلة لتكون النور الموازي لتلك الخطى، ولتضفي على الرؤية بُعدًا إنسانيًا وروحيًا عميقًا، لم يأت حضورها بروتوكوليًا فقط؛ بل إشراقة تُذكِّر بأنَّ التنمية ليست أرقامًا ومشروعات فحسب، وإنما وجوه وقلوب وأحلام يجب أن تُروى وتُثمِر. أطلَّت على الوطن فأحسَّ العُمانيون بأنَّ في المشهد حكمة نسائية تتقدم بخطوات واثقة، وتزرع في النفوس طمأنينة الأم التي تعرف أبناءها واحدًا واحدًا، وتُرافقهم بعينها في تفاصيلهم الصغيرة والكبيرة، أشرقت وأنارت وواست ودعمت وظللت وأمطرت فكانت بحق عهدا من النور بدأ مع 2020 ولن ينطفئ منذ ذلك الحين.

منحت السيدة الجليلة عهد حضورها معنى مختلفًا، فلم يكن مُتكلِّفًا ولا استعراضًا للمكانة؛ بل ترجمة حقيقية للرسالة التي تحملها، كرمت باسم الوطن، وحضرت وساندت لتشعر كل امرأة عُمانية أن العناية بها جزءٌ من نسيج النهضة، علمتنا بمواقفها درسًا في كيف تكون السيدة الأولى رمزًا حيًّا للقدوة، فلقد شهد يوم المرأة العُمانية عام 2020 إشراق وجه عُمان وهي تُسلِّم وسام الإشادة السلطانية لمجموعة من النساء العُمانيات المجيدات، وأن التكريم جاء رسالة صادقة تؤكد على أنَّ السلطنة تراهن على المرأة وتؤمن بدورها، وتراها شريكا في كل ميدان، واستمرت تلك البادرة نغمة متكررة في موسيقى الحضور النسوي العُماني، فكل تكريم لاحق حمل ظلها ولمستها، وكأنها تقول لكل سيدة عُمانية: "أراك.. أتابعك .. وأؤمن بك".

جسَّدت السيدة الجليلة حُلم النساء العُمانيات اللاتي تعطَّشن إلى نموذج نسائي يكون مصدر إلهام بالفعل النبيل والذكاء الاجتماعي والإنساني، جاءت فارتوت القلوب بحضورها، لم تُحدث النساء عن التمكين، بل جسدته بحضورها الكريم، امرأة متعلمة وعميقة ورزينة، واعية لنبض عصرها، تحمل في شخصيتها مزيجاً من الحكمة الهادئة والكاريزما الملهمة. مارست السيدة الجليلة تأثيرها الناعم في كل مساحة من الحياة العامة، فكان حضورها قوة راقية تغير بالرفق، وتوجه بالرحمة. بوجودها شعرت كثير من النساء العُمانيات أن الوطن صار أقرب؛ حيث صارت نموذجًا لما يمكن أن تكون المرأة عليه حين تعطى المساحة لتُعبر وتُسهم وتبني وتبادر وتبتكر، أما الأجيال الصغيرة من الفتيات، فوجدن فيها الوجه الأمومي اللطيف المفعم بالأمل، الذي يزرع الثقة في نفوسهن بأنَّ الأنثى هي مصنع القامات التي تنهض بالأوطان.

أثبتت السيدة الجليلة أنَّ الإنسانية سلوكًا مُتجذرًا في الوجدان؛ حيث امتدت يدها بالدعم والمساندة في كل محنة إنسانية مرَّ بها العالم، فناصرت القضية الفلسطينية بكل صدق القلب وعمق الإيمان؛ إذ عبرت مواقفها عن حضور دافئ تجاه أطفال غزة ونسائها، ودعمت المتضررين عبر المساعدات والإغاثات التي حملت اسم عُمان وقلوب أبنائها، ولقد جسدت في مواقفها تجاه قضية فلسطين معنى الانتماء العربي الأصيل، لتؤكد أنَّ المرأة حين تحمل الوطن في قلبها، يصبح وجع الأمة وجعها، ويصير العطاء والإحسان خالصاً للإنسان في كل مكان.

وقفت إلى جانب المجتمع العُماني في الأزمات، فتابعت أحوال المتضررين من الأنواء المناخية، ورعت الأطفال وذوي الإعاقة، ودعمت ذوي الهمم والفئات الخاصة دعمًا عمليًا، فصارت قصصهم جزءًا من حكاية الوطن، تفتح لهم الأبواب، وتقدم لهم الفرص، ويحتفى بإنجازاتهم كما يحتفى بغيرهم.

منحت الوطن شعور الأمان الجمعي، فأعادت له دفء الطمأنينة بأنَّ هناك من يرعاه بعين أم تتابع وتحتضن وتساند بصمت، نظرت إليها النساء فوجدن فيها ذواتهن المثابرة، ورأين فيها نموذج الأنوثة الواعية التي تحفظ التوازن بين الرقة والمسؤولية وبين الجمال الداخلي والحكمة الهادئة؛ فهي الوجه الإنساني للرؤية العُمانية الحديثة.

غير حضورها ملامح الحياة الاجتماعية، فازدادت المبادرات رقة واتساعا، واتجهت مؤسسات الدولة أكثر نحو تمكين المرأة والطفل وذوي الإعاقة والفئات الخاصة، تحولت العناية الاجتماعية إلى ركن أصيل في رؤية "عُمان 2040"، فمن يُراقب المشهد منذ 2020 وإلى اليوم، يُدرك أنَّ التنمية في عُمان لم تعد مسيرة تنمية فقط؛ بل حكاية حب وانتماء، تسير بخطى السيدة الجليلة في كل اتجاه.

هي ليست فقط سيدة القصر؛ بل سيدة الرؤية ووجه الوطن الأجمل، هي التي جاءت بعد انتظار طويل لامرأة تظلل البلاد كالغيم، فإذا بها الشمس والمطر والقمر معا، علمتنا أن العظمة لا تحتاج إلى صخب، وأن التأثير الحق يكتب بالفعل والعدل والمسؤولية، فكانت عهدٌ عهدًا للوطن، وسلامًا في القلب، وطمأنينة للغد، إنها باختصارٍ... عهدٌ باقٍ على العهد.

الأكثر قراءة