د. عبدالله الأشعل **
عندما أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن خطته للسلام في غزة، كان همه الأساسي خدمة إسرائيل والقضاء على المقاومة؛ باعتبارها المهدد الأساسي لوجود إسرائيل، وأدرك ترامب أن 7 أكتوبر تاريخ فاصل في القضية الفلسطينية.
ولهذا استشعر الخطر على إسرائيل عندما انهارت إسرائيل وجيشها والجهاز الأمني فيها في ساعات. وأدرك ترامب أيضًا أن هجوم حماس على إسرائيل ليس كالسابق، لم يكن هدف حماس صد العدوان أو إزالة الاحتلال وحسب، وإنما تحرير فلسطين بما في ذلك إزالة إسرائيل. ولذلك تقدم ترامب بخطته التي علقنا عليها في مقال سابق وقلنا إنها أقرب إلى المؤامرة منها إلى فرصة تسوية النزاع.
الرئيس ترامب يهدف أساسًا إلى تأكيد المشروع الصهيوني الذي يقضي بإفراغ فلسطين من أهلها وإحلال صهاينة العالم محلهم. ولذلك نرى أن المرحلة الأولى هي ابتلاع فلسطين، انطلاقًا إلى المرحلة الثانية، وهي إنشاء إسرائيل الكبرى على أراضي سبع دول عربية. ثم دخول المرحلة الثالثة، وهي تغيير هوية المنطقة العربية إلى الهوية الصهيونية، وذلك بإنشاء الشرق الأوسط الجديد وإلغاء العالم العربي أو جعل العالم العربي في خدمة إسرائيل بلا هوية. الغريب أن ترامب عندما طرح خطته كان ماكرًا، لأنه أكد أن خطته هي إحلال السلام الشامل في المنطقة، ولم يتطرق إلى حقوق الشعب الفلسطيني ولا إلى الدولة الفلسطينية. والعلم أن كافة معاهدات السلام العربية الإسرائيلية كانت استسلامًا لصالح إسرائيل، ولم تبرم معاهدة سلام متوازنة على النحو الذي أوضحناه في كتابنا الذي سيصدر بعد أسابيع وهو "معاهدات السلام في التاريخ"، وهو تحليل لأكثر من ألف معاهدة عبر التاريخ القديم والحديث. وخلصنا من تلك الدراسة من العرب، وخلقت مصالح كرسي الحكم التي تتنافى مع مصالح الوطن والدين.
والواقع أن تصور ترامب لقطاع المقاومة شجَّع عليه إبعاد إيران عن المقاومة العربية في لبنان وغزة واليمن والعراق، ثم الانفراد بكل مقاومة على حدة، ظنًا منه أن الشعوب العربية مقهورة وأنها سوف تستمر هكذا إلى قيام الساعة.
وافترض ترامب أن هناك بعض الحكام العرب يكفي لتمرير مشروعه، ولوحظ أن حرصه على مصالح إسرائيل أكبر من حرص إسرائيل نفسها على مصالحها. ولذلك، فما يبدو على السطح من مسافة بين موقف إسرائيل وأمريكا من بعض القضايا وهمي. والرابح أن أمريكا تخطط وتمد إسرائيل بكل الأسلحة، وإسرائيل تنفذ، وبالمناسبة، إن المجرم الأصلي في غزة هو أمريكا وليس إسرائيل. وواضح أن ترامب يزعم أنه رجل السلام الذي أنهى حروبًا كثيرة، وأنه اهتم بالشرق الأوسط، وأدلى بتصريحات تظهر جهله الفاضح وكذبه في الصراع.
وتصور ترامب أن عداء بعض الحكام العرب لحماس، خصوصًا في دول الخليج، أحد أهم العوامل للقضاء على حماس، ونسى ترامب أن الأصل في الموضوع هو المشروع الصهيوني واحتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية، وأن الأمم المتحدة كررت مرات عديدة بأن العلاقة بين فلسطين وإسرائيل هي علاقة احتلال، وأنه لا بُد أن ينتهي؛ فبدلًا من أن يركز ترامب على إنهاء الاحتلال، عمد إلى تثبيته وإطلاق يد إسرائيل بدعم أمريكي مطلق حتى توحشت إسرائيل وظنت أنها الأصل والدول العربية جميعها طارئة عليها.
علمًا بأن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة لا يقصد به مصلحة الشعب الفلسطيني، وإنما يهدف إلى ما هو أكبر لصالح إسرائيل، علمًا بأنني لا أتوقع مطلقًا أن تحترم إسرائيل الاتفاق، ولكن في نفس الوقت لا تستطيع أن تستأنف الحرب بدون إذن الولايات المتحدة.
فما هو موقف حماس من القضايا المطروحة حاليًا؟
أدلى رئيس حماس بتصريحات لقناة الجزيرة حدد فيها موقف الحركة من مختلف القضايا بعد أن فشلت حماس في الاتفاق، وهي متأكدة أن إسرائيل لم تحترمه، ولكن قبلت حماس الاتفاق حتى لا تقف أمام العالم كله الذي أثنى على الاتفاق.
أولًا: فيما يتعلق بقوة الاستقرار التي تضمنها الاتفاق، ترى حماس أن هذه القوة، بصرف النظر عن تشكيلها، لها وظائف محددة، وهي تأمين استمرار وقف إطلاق النار والفصل بين الطرفين، إسرائيل وحماس، ولا تتصور حماس أنها قوة احتلال أو أن من وظائفها نزع سلاح حماس.
ثانيًا: نزع سلاح حماس؛ وافقت حماس على خطة ترامب، ومن ضمنها المرحلة الثانية التي تتضمن نزع سلاح حماس، ولكن رئيس حماس أكد أن هذا الموضوع مرتبط بزوال الاحتلال، كما أنه مرتبط بالحوار المجتمعي بين الفلسطينيين، ويبدو أن هناك تناقضًا شكليًا بين موقفي حماس من نزع السلاح.
ثالثًا: أكد رئيس حماس اعتزازه بفهم السابع من أكتوبر، رغم أن العالم كله أدان السابع من أكتوبر.
رابعًا: أكد رئيس حماس أن القوة الدولية من مهامها إعادة الإعمار، بينما لإسرائيل موقف مختلف وتأمل إسرائيل أن هذه القوة تنزع سلاح حماس.
وفيما يتعلق بجثث الأسرى الإسرائيليين، أكد رئيس حماس أن حماس ملتزمة تمامًا باتفاق وقف إطلاق النار، وأنها لا تراوغ في تسليم الجثث الإسرائيلية التي تتذرع إسرائيل بأن تأخرها في تسليم الجثث يستدعي إجراءات لمعاقبة حماس، لولا أن ترامب أعلن أن الحرب انتهت على غزة، ولكن إسرائيل ماضية في انتهاك الاتفاق كل يوم، وقد وثقت حماس هذه الانتهاكات وسلمتها للوسطاء. وأعلنت حماس أن استخراج جثث الأسرى الإسرائيليين يحتاج وقتًا ومعدات، ولكن إسرائيل دخلت إلى هذه الساحة بفريق هندسي ومعدات، ومصر تستطيع أن تشهد على مصداقية حماس من عدمه.
الولايات المتحدة تستخدم إعادة الإعمار للقضاء على حماس؛ حيث تشيع أن حماس تحكم غزة ضد رغبة أهلها، وأن حماس هي السبب في إبادة السكان، ومعنى ذلك أنه بعد بدء إعادة الإعمار يمكن أن تجري أمريكا استفتاء بين السكان على حماس، وتقطع أمريكا بأن السكان سوف يختارون إسرائيل ويلفظون حماس، وهذه لعبة خبيثة رددها الموساد ورددتها أوساط عربية كبيرة.
الخلاصة، أن أمريكا تحمل حماس مسؤولية الإبادة، ولذلك لا تعترف إسرائيل بأنها المسؤولة عن الإبادة. وإذا كانت الإبادة مسألة حماس، ومعظم دول الخليج ضد حماس، فكيف نفهم تبرع دول الخليج لصالح إعادة الإعمار نيابة عن إسرائيل وأمريكا؟
وأخيرًا.. المؤامرة على حماس مؤكدة، ولكن الله ناصر حماس على العالم الخارجي.
** أستاذ القانون الدولي ومساعد وزير الخارجية المصري سابقًا
