توظيفُ المرأة بين الضرورة الاقتصادية ورؤيةِ التصحيح

 

 

 

سُلطان بن خلفان اليحيائي

 

أودُ بدايةً أن أنوه لأمر بالغ الأهمية، وهو أنَّ هذا المقال لا يُمثّل سوى قراءةً شخصية تستهدف المصلحةَ العامّة، وتدعو إلى توازنٍ في سياسات التوظيف بما يضمن عدالةَ الفرص ويحافظ على استقرار المجتمع العُماني؛ فالإصلاح لا يعني الإقصاء، بل ترشيدَ القرار بما يخدم الوطنَ والإنسانَ معًا.

والعملُ قيمةٌ إنسانيّةٌ وركيزةٌ للكرامة والاعتماد على النفس، وهو في الإسلام أمانةٌ ومسؤوليّة، قال الله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ﴾ (فاطر: 39).

ومع تزايد أعداد الباحثين عن عمل، بات من الضروري إعادة ترتيب الأولويّات بحكمة؛ فشعار تمكين المرأة لم يعد مجرّد لافتةٍ إعلاميّة؛ بل يحتاج إلى تطبيقٍ متوازنٍ ينسجم مع الواقع الاجتماعيّ والاقتصاديّ.

وتقليص التوظيف النسائي لا يعني تقييد فرص المرأة، بل تنظيمها وفق احتياجات سوق العمل، مع إعطاء الأولويّة للرجال في المهن التي تناسب طبيعتهم وجهدهم الميداني؛ فالمجتمع لا يقوم على منافسةٍ بين الرجل والمرأة، بل على تكامل الأدوار.

والعدالة لا تعني المساواة؛ بل توزيع المسؤوليات بما يخدم المصلحة العامّة ويحافظ على التوازن الاجتماعي.

الإسلام لم يمنع عمل المرأة، لكنه حدّده في إطار الحاجة والمصلحة مع مراعاة دورها الأسري، قال تعالى: ﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ﴾؛ فالمنافسة التي تُقصي الرجل القادر على العمل تُحدِث خللًا اقتصاديًّا واجتماعيًّا، بينما عملُ المرأة في بيتها يُسهم أصيلًا في بناء المجتمع واستقرار الأسرة، وهو ما بدأت بعض الدول تعترف به رسميًّا كوظيفةٍ وطنيّةٍ تستحقّ الدعم والتقدير.

وتُعدّ القطاعات الصحيّة والتعليميّة من أبرز الميادين الملائمة للمرأة، وكذلك التعليم، والإرشاد التربوي والنفسي، وإعداد المناهج، إضافةً إلى المهامّ الإداريّة والأمنيّة المكتبيّة، والجمعيّات الخيريّة، والإعلام، والثقافة.

أمّا القطاعات التي لا تتناسب مع طبيعتها أو تتعارض مع مسؤوليّاتها الأسريّة، فهي كالأعمال العسكريّة الميدانيّة، والإطفاء، والتعدين، واستخراج النفط، والبناء الثقيل، والمهن التي تتطلّب غيابًا طويلًا عن الأسرة، إلا في حالات الضرورة.

وينبغي اعتماد بحثٍ اجتماعيٍّ يسبق توظيف المرأة لتقييم وضعها الأسري والمادّي ومدى حاجتها الفعليّة للعمل، بحيث تُمنح الأولويّة لمن تحتاج الدعم فعليًّا، تحقيقًا للتوازنٍ بين البعد الإنسانيّ والعدالة الوظيفيّة.

إنّ إجراءَ دراسةٍ وطنيّةٍ لرصد التوازن الوظيفيّ بين الجنسين خطوةٌ ضروريّة لرسم سياسات توظيفٍ عادلة تراعي الاحتياج الفعلي دون تحيّز؛ فالارتفاع الكبير في نسبة النساء العاملات مقابل ازدياد الباحثين عن عمل من الرجال يؤثّر على الاستقرار الأسري ويؤخّر سنّ الزواج، ما يُضعف النسيج الاجتماعيّ ويزيد التبعيّة الاقتصاديّة.

وتصحيحُ المسار اليوم يضمن اقتصادًا أكثر استدامةً ومجتمعًا أكثر تماسكًا، عبر توجيه التوظيف النسائي نحو القطاعات الملائمة، وتحفيز القطاع الخاص على استيعاب الرجال في المهن الميدانيّة والإنتاجيّة، مع توسيع التدريب المهني للرجال لضمان توزيع الفرص بعدلٍ يخدم الأسرة والاقتصاد معًا.

وأخيرًا.. إنَّ إصلاح سوق العمل يبدأ بإعادة توزيع الأدوار على أسسٍ عادلةٍ وواضحة، بحيث يُقاس الأداء بالإنتاج لا بالمظاهر، ويُمنح الحقّ للأكفأ من الجنسين. والتوازن يحمي الأسرة، ويتيح للمرأة أن تُسهم في التنمية من موقعٍ يناسب قدراتها دون الإخلال ببنية المجتمع.

ومن المؤكد أن المرأة شريكٌ أصيل في بناء الوطن، ومكانُها محفوظٌ برؤيةٍ تُنصف الجميع وتُراعي المصلحة العامّة: "كلّنا من أجل استقرار عُمان".

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة