عائض الأحمد
مؤلمٌ أن تنقل وصيّتك لها بيدك،
تظنّ أنك ستلمح شيئًا من الحنين في عينيها،
أن يسبق الدمع كلماتها، أن يرتجف صوتها…
لكنّك تصطدم بصمتها.
لا دمع،
لا مشاعر،
لا شيء سوى الجحود.
كأنك تترقّب المطر في صحراء قاحلة،
لا تسمع إلا أصوات الرياح،
وحبّات الرمل تتطاير في عينيك،
تُغمضها وتفتحها في عجزٍ لا معنى له،
متلمسًا طريقك، نادبًا حظّك:
من أوقعني في هذا؟
وهل تنفعك ملامة؟
ليتني خبّأتها بين أوراقي،
لعلّ غريبًا يعثر عليها يومًا،
فيقرأها بعينٍ تُدرك قيمتها…
ما كان أقسى أن تُهمَل من كُتبت لأجلها!
نكرت الحب كأنها لم تكن،
وظنّت أن الكبرياء يعيد عبدًا كانت تملكه،
لكنها لم تُدرك أنه مات بين يديها.
وكل ما أراده…
أن يودّعها بما تبقّى من نبضه.
وها هو ذا…
يمضي مثقلَ القلب، محنيّ الظهر والذاكرة،
كأنّ كل الطرق تُعيده إليها، رغم الخذلان.
يسير بخطى باهتة،
كأنّ الأرض ما عادت تحتمل خطاه،
ولا السماء تصغي لأنينه.
كم مرةٍ راجع تفاصيل الرسالة؟
كم مرةٍ مسح دمعةً سالت،
وهو يقرأ ما خطّه بقلبه، لا بقلمه؟
لكنها لم تقرأ…
أو قرأت، فمرّت الكلمات كما تمرّ الريح على صفحة ماء… دون أثر.
كان يظن أن الحب لا يُنسى،
وأن الذكرى تُنقذ القلب إن خانته الحياة،
لكنها اختارت أن تُطفئ النور،
أن تدفن صوته في زاوية النسيان.
حين يموت الشغف، تموت المشاعر،
ويمضي الإنسان إلى صفحات النسيان…
حظيظٌ من ذهب ولم يعد، وإن كان يحمل في قلبه حبًّا كثيرًا.
عاش أسيرًا لطغيان امرأة،
لم تزن قلبه كما تُزَنّ الذهب ونفائس الحُلي،
ولا كما يُوزَن الحب الحقيقي في ميزان الحياة.
فما نفع الوصايا،
إن لم تجد قلبًا يؤمن بها؟
وحده الغريب،
قد يلتقطها يومًا بين رفوف النسيان،
فيقرأها… ويتنهّد:
"كم من قلبٍ مات وهو يُحب، ولم يشعر به أحد."
لها: هل تعلمين؟
ما زال يحتفظ بالوصيّة…
لم يبعثرها رغم تجاهلك،
لأنها كُتبت بنبضٍ لم تعرفيه،
وعُقدت على أملٍ كنتِ أول من أقصاه.
شيء من ذاته: كان يحلم بأن يُصغي إليه قلبك لا أذنك،
أن تلمسي خوفه لا كلماته،
أن تفهمي أنّ بعض الوصايا تُكتب لتُنقذ صاحبها من الغرق…
لا لتُقرأ.
نقد: الجراح أعمق من مسكّنات لحظية…
ومن كنت تظنها خُلقت لك، تنصّلت منك…
وعادت إلى سيرتها الأولى، كأنك ما كنت.
